للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّارِيخِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا الشِّرَاءُ مَعَ الصَّدَقَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَدَعْوَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ الْقَبْضِ فِيهِمَا مُسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ لِأَنَّ أَثَرَ اللُّزُومِ يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالتَّرْجِيحُ يَكُونُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا اُمْتُنِعَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ الْأَجْرُ لَا لِقُوَّةٍ فِي السَّبَبِ وَلَوْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْهِبَةِ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا كَمَا إذَا كَانَتْ لِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ أَوْ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْهَا وَالصَّدَقَةُ قَدْ لَا تَكُونُ لَازِمَةً بِأَنْ كَانَتْ لِغَنِيٍّ وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَضُرُّهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ يُسْتَفَادُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَضَاؤُهُ كَهِبَةِ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ وَقِيلَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ قَبْضَ الْكُلِّ ثُمَّ حَصَلَ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ يُقْضَى لَهُ بِالْعَقْدِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْعَقْدَيْنِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تُؤَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْضٌ وَأَمَّا إذَا وُقِّتَتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوَقَّتَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَكَذَا إنْ وَقَّتَ صَاحِبُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءَ عَيْنٍ مِنْ رَجُلٍ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ الْعَيْنِ فَهُمَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْقُوَّةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمُثْبِتٌ لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ لِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْمُسَمَّى وَلِلْمُشْتَرِي نِصْفُ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشِّرَاءُ أَوْلَى وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ قِيمَةُ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ مُمْكِنٌ فَيُصَارُ إلَيْهِ إذْ الْبَيِّنَةُ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ وَالْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا بِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ إذْ النِّكَاحُ عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ جَائِزٌ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ تَقَدُّمَ النِّكَاحِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْمَالِكِ قُلْنَا الْمَقْصُودُ مِنْ السَّبَبِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ النِّكَاحِ مِلْكُ الْمُسَمَّى فِيهِ وَمَتَى قَدَرَ مُتَأَخِّرًا لَمْ يُوجَبْ حُكْمُهُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ كَمَا لَا يُصَارُ إلَى تَأَخُّرِ الشِّرَاءِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَهُمَا سَوَاءٌ فِي إفَادَةِ مِلْكِ الْعَيْنِ فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْهُمَا بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ أَوْلَى مِنْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَقْوَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ وَالتَّصَرُّفَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَّا أَنَّا سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ فِيمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إثْبَاتُ تَارِيخٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّهْنُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخٌ وَلَا قَبْضٌ كَانَ الرَّهْنُ أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ وَالْهِبَةَ أَمَانَةٌ وَالْمَضْمُونُ أَقْوَى فَكَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لِأَنَّهَا بَيْعُ انْتِهَاءٍ وَالْبَيْعُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ عَقْدَ ضَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مَعْنًى فَيَعْتَبِرُ بِمَا لَوْ كَانَ مُتَأَخِّرًا حَقِيقَةً بِأَنْ أَرَّخَ صَاحِبُ الشِّرَاءِ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَصَاحِبُ الْهِبَةِ مُنْذُ سَنَةٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالَ حُدُوثِهَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِحُدُوثِهَا

(قَوْلُهُ وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ وَالصَّدَقَةَ مَعَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ حَتَّى يَكُونَ الْعَيْنُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ اللَّازِمَ مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مِلْكًا غَيْرَ لَازِمٍ فَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَنَّ لُزُومَ الصَّدَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا لَا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ الثَّابِتِ فِي الْحَالِ فَلَا تَتَرَجَّحُ الصَّدَقَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ) أَيْ كَوْنُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ سَوَاءً فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ صَحِيحٌ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَكَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ الْبَعْضِ أَيْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ سَوَاءٌ أَيْضًا عِنْدَ الْبَعْضِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا وَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِع اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدُهُمَا يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قُضِيَ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُمَا سَوَاءٌ) هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ أَمَّا إذَا أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى كَمَا فِي دَعْوَى الْهِبَةِ مَعَ الشِّرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ بِهَا مَهْمَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ) حُسْنًا لِلظَّنِّ بِالشُّهُودِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الشِّرَاءَ مُقَدَّمًا عَلَى النِّكَاحِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِتَقَدُّمِهِ أَحَدٌ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ) أَيْ بَلْ يُثْبِتُ الْيَدَ وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ) أَيْ فَإِنَّهَا أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>