للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَتُهَا بِخِلَافِ مَا دُونَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ كَلِمَةً مِثْلُ مُدْهَامَّتَانِ أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ " ص " وَ " ق " وَ " ن " اُخْتُلِفَ فِيهَا وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مِثْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ قَرَأَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى تَبْلُغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ اقْرَأْ بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَنُهَا فِي السَّفَرِ الْفَاتِحَةَ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالتِّينِ»؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى إقَامَةٍ وَقَرَأَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ الْبُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْحَضَرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ لَوْ فَجْرًا أَوْ ظُهْرًا وَأَوْسَاطُهُ لَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَقِصَارُهُ لَوْ مَغْرِبًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ أَلْيَقَ بِهَا وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ اُسْتُحِبَّ فِيهِمَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ إلَى آخِرِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرُ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ قَارِئًا عُرْفًا وَالْحَقُّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ قَالَا: لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطًا فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَلِدْ، ثُمَّ نَظَرَ لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَمِنْ حَيْثُ الْعَدَمُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ: نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ إلَى آخِرِهِ أَيْ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ إلَى آخِرِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلُ ص إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَكَوْنُ نَحْوِ ص حَرْفًا غَلَطٌ بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءَ، وَالْمَقْرُوءُ وَهُوَ الِاسْمُ صَارَ كَلِمَةً فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَةٌ. اهـ.

(فَرْعٌ) الْقِرَاءَةُ أَنْوَاعٌ فَرِيضَةٌ وَوَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهَةٌ فَالْفَرِيضَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ قَدْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِرَاءَةِ مَقْصُودَةً لَا يَشُوبُهَا قَصْدُ خِطَابِ أَحَدٍ وَلَا جَوَابُهُ وَلَا قَصْدُ التَّلْقِينِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا يَجْرِي فِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا وَالْوَاجِبَةُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مَعَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَالْمَسْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى قِرَاءَةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَالْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُمَا. اهـ. مِنْ الدِّرَايَةِ بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ وَجْهُ الْقَيْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: ٢٠] يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآيَةِ وَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ وَمَعْنَى قَسَّمَ السُّنَّةَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْفَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى الْمِائَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنِصْفُهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: إنْ اُعْتُبِرَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْمَرْوِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا مَا نَصُّهُ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ رَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينِ بِإِسْنَادِهِ وَبِمَعْنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. اهـ. وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ غَيْرَ أَنَّ فِي الدِّرَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ» آيَةً. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>