بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدًا مُبْهَمًا وَأَشْرَكَ فِيهِ جِنْسَيْنِ فَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا، وَكَذَا كَذَا دِينَارًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وَعَلَى هَذَا فِي الْمُفَسَّرِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا لَزِمَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ عَشَرَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ مِقْدَارًا وَأَضَافَهُ إلَى صِنْفَيْنِ مِنْ الْمَالِ يَجِبُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلَيْنِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، مِثَالُهُ إذَا قَالَ: عَلَيَّ مِائَةُ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أَوْ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَالْبَيَانُ فِي النَّيِّفِ إلَيْهِ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّيِّفَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ يُقَالُ: جَبَلٌ مُنِيفٌ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْجِبَالِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ الْبِضْعَةَ أَوْتَارُ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعَةٌ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(عَلَيَّ وَقِبَلِي إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْوُجُوبِ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْعُلُوِّ وَإِنَّمَا يَعْلُوهُ إذَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَضَائِهِ لِيَخْرُجَ عَنْهُ، وَكَلِمَةُ قِبَلٍ تُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ يُقَالُ قَبَلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَيْ ضَمِنَ وَسُمِّيَ الْكَفِيلُ قَبِيلًا؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَسُمِّيَ الصَّكُّ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ الدَّيْنِ قَبَالَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهُ كَالضَّامِنِ، وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ فِيهِمَا أَرَدْتُ بِهِ وَدِيعَةً وَوَصَلَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُمَا يُنْبِئَانِ عَنْ الْوُجُوبِ، وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُودَعِ، وَالْمَالُ مَحَلُّهُ فَجَازَ ذِكْرُ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةُ الْحَالِّ مَجَازًا وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَيَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِهِ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا وَلَا يَجُوزُ مُنْفَصِلًا؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ حُكْمُهُ بِالسُّكُوتِ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمُغَيِّرَاتِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمَا يُقَالُ لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ دَيْنٌ وَلَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ وَدِيعَةٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ حَقٌّ يَكُونُ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْجِهَةِ فَيَتَنَاوَلُهُمَا، وَالْأَمَانَةُ أَدْنَاهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عِنْدِي مَعِي فِي بَيْتِي فِي صُنْدُوقِي فِي كِيسِي أَمَانَةٌ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلٌّ لِلْعَيْنِ لَا لِلدَّيْنِ إذْ الدَّيْنُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ وَالْعَيْنُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَأَمَانَةً، وَالْأَمَانَةُ أَدْنَاهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عِنْدَ لِلْقُرْبِ وَمَعَ لِلْقِرَانِ وَمَا عَدَاهُمَا لِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الدَّيْنَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ فَإِذَا كَانَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأَمَانَةُ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمَانَاتِ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ قَالَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ: اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ أَوْ أَجِّلْنِي بِهِ أَوْ قَضَيْتُكَهُ أَوْ أَحَلْتُكَ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِعَدَدَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ فَوَجَبَا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَيْفَ يُقْسَمُ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةً وَنِصْفَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةً وَنِصْفَ مِنْ الدَّنَانِيرِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْكَسْرِ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ فَيُجْعَلُ سِتَّةً مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةً مِنْ الدَّنَانِيرِ فَصَرَفْنَاهُ إلَيْهَا احْتِيَاطًا كَذَا ذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فَعَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا بِالسَّوِيَّةِ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ، وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ أَحَدَ عَشَرَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَيَّ وَقِبَلِي إقْرَارٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا قَوْلُهُ عَلَيَّ فَإِنَّمَا كَانَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ بِسَبِيلِ الِاقْتِضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] وَمَحَلُّ الْإِيجَابِ الذِّمَّةُ، وَالثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ الدَّيْنُ لَا الْعَيْنُ فَصَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ مُقْتَضَى قَوْلِهِ عَلَيَّ، وَالثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ نَصًّا، وَلَوْ نَصَّ فَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ كَانَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لَا بِالْعَيْنِ فَكَذَلِكَ هَذَا اهـ (قَوْلُهُ قَبَالَةً) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَتَقَبَّلْت الْعَمَلَ مِنْ صَاحِبِهِ إذَا الْتَزَمْته بِعَقْدٍ وَالْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ اسْمُ الْمَكْتُوبِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ عَمَلٍ وَدَيْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ كُلُّ مَنْ تَقَبَّلَ بِشَيْءٍ مُقَاطَعَةً وَكَتَبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا فَالْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ هُوَ الْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ وَالْعَمَلُ قِبَالَةً بِالْكَسْرِ؛ لِأَنَّهُ صِنَاعَةٌ اهـ (قَوْلُهُ وَإِرَادَةُ الْحَالِ) إلَى هُنَا آخِرُ الْخَرْمِ الَّذِي فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ إلَخْ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ قِبَلِي، وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِيجَابَاتِ وَالْأَمَانَاتِ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ لِفُلَانٍ قِبَلِي وَدِيعَةٌ وَقِبَلِي أَمَانَةٌ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِيجَابَاتِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْكَلَامِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَالدَّرَاهِمِ الْمُطْلَقَةِ تَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ: وَإِنْ قَالَ لَهُ فِي مَالِي مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ فِي دَرَاهِمِي هَذِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ مَالُهُ بِمَالِهِ كَانَ شَرِيكًا لَهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلِهِ اتَّزِنْ وَانْتَقِدْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْهَاءِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْتِزَامٍ وَقَدْ يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَسْتَهْزِئُ وَيُبَالِغُ فِي الْجُحُودِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ يَكُونُ إقْرَارًا كَقَوْلِنَا وَقَالَ سَحْنُونٌ الْمَالِكِيُّ يَكُونُ إقْرَارًا فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا إذَا قَالَ اتَّزِنْ أَوْ اتَّزِنْهَا مَا أَبْعَدَك مِنْ ذَلِكَ اهـ كَاكِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute