للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُرُوطُ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَعْجِيلُ الْمُؤَجَّلِ كَالْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ؛ وَلِهَذَا يَنْقُصُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ فَيَكُونُ الْحَطُّ بِمُقَابَلَةِ الْأَجَلِ فَيَكُونُ رِبًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا صَالَحَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُقَابَلَةَ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ إرْفَاقٌ مِنْ الْمَوْلَى بِحَطِّ بَعْضِ الْبَدَلِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ وَمُسَاهَلَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِيمَا بَقِيَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ، وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ غَدًا النِّصْفَ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ لَا يَبْرَأُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْرَأُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَلَا تَعُودُ إلَيْهِ خَمْسُ الْمِائَةِ السَّاقِطَةِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَدَاءِ ضَائِعٌ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ يُطَالِبُهُ هُوَ فِيهِ إذْ الْمَالُ عَلَيْهِ حَالٌّ فَبَطَلَ التَّعْلِيقُ وَصَارَ إبْرَاءً مُطْلَقًا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ خَمْسَ الْمِائَةِ عِوَضًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلْمُعَاوَضَةِ

وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ لِلْإِبْرَاءِ عِوَضًا سِوَاهُ وَالْعِوَضُ هُوَ الْمُسْتَفَادُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَحَصَلَ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَإِنْ لَمْ تَنْقُدْ غَدًا فَلَا صُلْحَ بَيْنَنَا؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِعَدَمِ النَّقْدِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ وَلِهَذَا جَازَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ

وَلَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَمَا تَكُونُ لِلْمُعَاوَضَةِ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا ذُكِرَ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ فَإِذَا كَانَ لِلشَّرْطِ جَازَ تَقْيِيدُ الْإِبْرَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ التَّعْلِيقَ بِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ فَإِنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ بِقَيْدٍ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ سَلَامَةُ الْعِوَضِ لَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا بِالْبَاقِي أَوْ رَهْنًا

فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ غَرَضًا فِيهِ حَذَارِ إفْلَاسِهِ أَوْ تَوَسُّلًا إلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْإِبْرَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالْبُدَاءَةِ فَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرُ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ غَدًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَقَالَ لَهُ ادْفَعْ إلَيَّ غَدًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ

فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا عَادَتْ الْأَلْفُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا تَعُودُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ أُصَالِحُك عَلَى أَنْ أَحُطَّ عَنْك خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْيَوْمَ خَمْسَمِائَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا فِي ذَلِكَ إنْ أَعْطَاهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسَمِائَةٍ جَازَ الصُّلْحُ، وَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ انْتَقَضَ الصُّلْحُ وَبَطَلَ وَكَانَتْ الْأَلْفُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْرَأُ إلَخْ) وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مُطْلَقًا فَتَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا أَعْطَى أَوْ لَمْ يُعْطِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِبْرَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْمُطَالَبَةِ لَا مَخْرَجَ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ لَا يَصْلُحُ أَدَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ عِوَضًا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَحَقِيقَةُ الْمُعَاوَضَةِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا اسْتَفَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ اسْتَفَادَهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهُ بِاسْتِحْقَاقٍ طَارِئٍ فَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ أَدَاءُ ذَلِكَ عِوَضًا صَارَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ فَبَقِيَ إبْرَاءً مُطْلَقًا فَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْإِبْرَاءُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ بِشَرْطٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَيَكُونُ إبْرَاءً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ سَلَامَتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَلَى شَرْطٍ سَمَّاهُ أَوْ قَيَّدَ الْإِبْرَاءَ بِشَرْطِ الْكَفَالَةِ أَوْ الرَّهْنِ كَمَا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ بِشَرْطِ أَنْ تُعْطِيَنِي بِالْبَاقِي الْيَوْمَ كَفِيلًا أَوْ رَهْنًا فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْطِ عَادَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا وَكَالْحَوَالَةِ لَمَّا كَانَتْ بَرَاءَةُ الْمُحِيلِ مُقَيَّدَةً بِشَرْطِ سَلَامَةِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ

فَإِذَا فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالُهُ عَلَى إنْسَانٍ مُقَصِّرٍ فِي الْأَدَاءِ فَيُرِيدُ أَنْ يَشْرُطَ الْحَطَّ عَنْ بَعْضٍ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ فِي مُقَابَلَتِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُ عَلَى التَّأْجِيلِ، وَهَذَا مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ فَصَارَ الْإِبْرَاءُ مُقَابَلًا بِالتَّعْجِيلِ فَتَقِفُ سَلَامَتُهُ عَلَى سَلَامَةِ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَا شَرْطًا آخَرَ؛ وَلِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ حُمِلَتْ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا يَصِحُّ هُنَا لِمَا قُلْنَا فَحُمِلَتْ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُعَاوَضَةِ مُقَابَلَةَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْآخَرِ وَالشَّرْطُ أَيْضًا يُقَابِلُ الْجَزَاءَ فَصَارَ الشَّرْطُ كَالْمَذْكُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ تَنْقُدْ فَلَا صُلْحَ فَإِذَا لَمْ يَنْقُدْ بَطَلَ الصُّلْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تَكُونُ لِلشَّرْطِ) قَالَ تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: ١٢]. اهـ. (قَوْلُهُ جَازَ تَقْيِيدُ الْإِبْرَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِهِ) رَأَيْت بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ هُنَا حَاشِيَةً نَصُّهَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّقْيِيدِ وَالتَّعْلِيقِ أَنَّ فِي التَّقْيِيدِ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الشَّرْطِ صَرِيحًا؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إذَا أَدَّيْت لَمْ يَصِحَّ التَّقْيِيدُ وَفِي التَّعْلِيقِ يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الشَّرْطِ صَرِيحًا هَذَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَالْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ فِي تَقْيِيدِ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ يَحْصُلُ الْإِبْرَاءُ فِي الْحَالِ بِشَرْطِ وُجُودِ مَا قَيَّدَ بِهِ وَفِي التَّعْلِيقِ لَا يَحْصُلُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ فَكَانَ التَّقْيِيدُ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٌ وَبَيَانُهُ مُسْتَقْصًى فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ثُمَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ صَرِيحُ لَفْظِ الشَّرْطِ وَلَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ فَلِذَا سَمَّيْنَاهُ تَقْيِيدًا لَا تَعْلِيقًا. اهـ

(قَوْلُهُ حَذَارِ إفْلَاسِهِ) يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْمَفْعُولُ لَهُ مَعْرِفَةً كَمَا فِي قَوْلِك خَرَجْت مَخَافَةَ الشَّرِّ وَقَوْلُهُ حَذَارِ إفْلَاسِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. اهـ غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>