صَاحِبَهُ رَضِيَ بِهِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُقِيمُ بِدَارِ الْغُرْبَةِ دَائِمًا فِي الْغَالِبِ وَإِعْطَاؤُهُ الْمَالَ مُضَارَبَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إذْ اللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ عَلَى الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَالْمُضَارِبُ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ أَدْنَى مِنْهَا وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ يُوجِبُ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَيُعْجِزُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّ مَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ فَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ بَلْ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ الطَّلَبِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَيَكُونُ فِيهَا نَوْعُ إهْلَاكٍ أَوْ تَبَرُّعٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ بِالنَّسِيئَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ فَيَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الرِّبْحِ عَادَةً فَكَانَ أَوْفَقَ لِمَقْصُودِ رَبِّ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْضَاعِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُضَارَبَةِ قُلْنَا: الْمُضَارَبَةُ يَصِيرُ شَرِيكًا وَالْعَبْدُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فَافْتَرَقَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً)، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الْمَهْرِ وَإِلَى سُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ فَإِنَّ فِيهِ إشْغَالَ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ وَاسْتِحْقَاقَ بَيْعِهِ بِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُضَارَبَةِ يَدُلُّ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ لَا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَا يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ، وَإِنْ كَانَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْتَضِي الِاكْتِسَابَ دُونَ التِّجَارَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ فَيَمْلِكَ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ أَيْضًا وَنَظِيرُهَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ حَيْثُ يَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ دُونَ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ لِلصَّغِيرِ فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلصَّغِيرِ فَعَلَاهُ وَمَا لَا فَلَا وَنَظِيرُ الْمُضَارِبِ الشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ، أَوْ مُفَاوَضَةٍ حَتَّى كَانَ تَزْوِيجُهُ الْأَمَةَ عَلَى الْخِلَافِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنٍ، أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك) يَعْنِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْمُضَارِبُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَضْمَنَ إلَّا مِقْدَارَ رَأْسِ الْمَالِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الِاسْتِدَانَةَ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِدَانَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ خَاصَّةً، وَأَمَّا إذَا اسْتَدَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَمَا يَشْتَرِيهِ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ، أَلَا تَرَى الْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَالٍ عَيْنٍ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُضَارَبَةً لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ وَإِطْلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسَاوِي فَلِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَدْ قَالُوا لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَ سَفْتَجَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِدَانَةٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يُعْطِي سَفْتَجَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرْضٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْقَرْضَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَعُودُ إلَى التِّجَارَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُ التَّبَرُّعَ وَالِاسْتِدَانَةَ اهـ قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ أَدْنَى مِنْهَا) أَيْ فَكَانَ السَّفَرُ أَدْنَى مِنْ الْإِيدَاعِ اهـ
(قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ)، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ الْمُطْلَقَ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ عِنْدَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْضَاعِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ فِي الْمَشْهُورِ يَمْلِكُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُضَارِبُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِاشْتِرَاكِ غَيْرِهِ فِي الرِّبْحِ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك)، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ فَدَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةً فَلَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَمِلَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَجِبُ لِلثَّانِي أَجْرُ الْمِثْلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ
فَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ حَتَّى إنَّ الْمَالَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ هَلَكَ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا بِالْإِيدَاعِ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ وَإِذَا عَمِلَ الثَّانِي صَارَ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا وَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ إلَى الثَّانِي هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ إذَا عَمِلَ الثَّانِي مَا لَمْ يَرْبَحْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الرِّبْحُ وَلَا يَصِيرُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا بِالتَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِالْإِشْرَاكِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَطَ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ
لَوْ شَارَكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَخَلَطَ ضَمِنَ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَإِذَا رَبِحَ قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَرِبْحُ مَالِهِ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً وَرِبْحُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ
لَوْ شَارَكَ مَعَ غَيْرِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ جَازَ وَيَقْسِمُ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا قَسَمَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مَعَ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مَعَ الرِّبْحِ يَسْتَوْفِي مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَذَا فِي