يَعْنِي إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَاشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ كُلِّهِ مَتَاعًا، ثُمَّ نَقَلَهُ، أَوْ قَصَّرَ ثِيَابَهُ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَكُونُ تَنْفِيذُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِدَانَةً مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ بِأَنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الزِّيَادَةِ وَفِي الْكَافِي لَوْ اشْتَرَى بِكُلِّ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفٌ ثِيَابًا وَاسْتَقْرَضَ مِائَةً لِلْحَمْلِ رَابَحَ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ عَشْرَةً مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ أَيْ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ عَلَى شَرْطِهِمَا وَسَهْمٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَهُ لِنَفْسِهِ، وَالْكِرَاءُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الثِّيَابَ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ لَا غَيْرُ وَالثَّمَنُ كُلُّهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَاسْتِكْرَاءِ الْأَجْنَبِيِّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ لِلْمُضَارِبِ فِي الثِّيَابِ حَقًّا يُضَاهِي الْمِلْكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ بَيْعِ الثِّيَابِ لَمْ يَصِحَّ نَهْيُهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فَقَامَ الثِّيَابُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى الْكُلِّ فَإِذَا بَاعَهَا مُرَابَحَةً يَقْسِمُ ثَمَنَهَا عَلَى مَالِهِمَا فَمَا أَصَابَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ بَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ فِيهَا عَلَى حَالِهَا وَمَا أَصَابَ الْمِائَةَ الْمُسْتَقْرَضَةَ كَانَ لَهُ خَاصَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ)؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ، وَقَدْ اخْتَلَطَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ فَيَكُونُ شَرِيكًا ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالْحُمْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ فَلَا يَكُونُ خَلْطًا بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضِيعُ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَ الصَّبْغِ، ثُمَّ إذَا بِيعَ الْمَتَاعُ قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ وَعَلَى مَا زَادَ مِنْ الصَّبْغِ فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الثَّوْبِ كَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَالٌ مُشْتَرَكٌ فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ بِهَذَا الْخَلْطِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك يَنْتَظِمُهُ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَعَدِّيًا بَلْ يَكُونُ شَرِيكًا كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ، أَوْ اخْتَلَطَ الْمَالُ الْمُودَعُ بِمَالِ الْمُودِعِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا بَلْ يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ بَزًّا وَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَى بِهِمَا عَبْدًا فَضَاعَا غَرِمَا أَلْفًا وَالْمَالِكُ أَلْفًا) أَيْ غَرِمَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ أَلْفًا، ثُمَّ غَرِمَ رَبُّ الْمَالِ وَحْدَهُ أَلْفًا آخَرَ فَيَغْرَمُ الْمُضَارِبُ خَمْسَمِائَةٍ وَالْمَالِكُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ (وَرُبُعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَبَاقِيهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَيُرَابِحُ عَلَى أَلْفَيْنِ)؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا صَارَ أَلْفَيْنِ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ خَمْسُمِائَةٍ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَرُبُعُهُ لِلْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ إذَا ضَاعَ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ ثَمَنِ الْعَبْدِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِي الْعَبْدِ فَرُبُعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَبَاقِيهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَعْنِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ، وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ جَمِيعُ مَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَهُوَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ أَوَّلًا أَلْفًا، ثُمَّ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَلَا يَبِيعُ الْعَبْدُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَهُوَ مَعْنَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مُسَاوَمَةً يُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ غَيْرِ مَصْبُوغَةٍ وَعَلَى قِيمَتِهَا مَصْبُوغَةً فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا يَكُونُ قِيمَةَ الصَّبْغِ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَةُ الثِّيَابِ غَيْرَ مَصْبُوغَةٍ أَلْفًا وَقِيمَتُهَا مَصْبُوغَةٌ أَلْفًا وَمِائَتَانِ وَبِيعَتْ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَالْأَلْفُ لِلْمُضَارَبَةِ وَالْمِائَتَانِ لِلْمُضَارِبِ بَدَلُ صَبْغِهِ
وَإِنْ بَاعَهَا مُرَابَحَةً فَإِنَّ هَذَا الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِهِ الثِّيَابَ وَعَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ الَّذِي صَبَغَ الْمُضَارِبُ الثِّيَابَ بِهِ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاكْتَرَى سَفِينَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْمَالُ عِنْدَهُ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ كُلِّهِ طَعَامًا وَحَمَلَهُ فِي السَّفِينَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْكِرَاءِ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِتِسْعِمِائَةٍ مِنْهَا طَعَامًا وَبَقِيَتْ فِي يَدِهِ مِائَةٌ فَأَدَّاهَا فِي الْكِرَاءِ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْكِرَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى إصْلَاحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِجَمِيعِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ثِيَابًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِهَا أَوْ قِصَارَتِهَا أَوْ نَقْلِهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَارَ بِالِاسْتِئْجَارِ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا فَصَارَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ مُتَطَوِّعًا (قَوْلُهُ وَالْحُمْلَانُ) الْحُمْلَانُ أَجْرُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّوَابِّ كَذَا فِي الدِّيوَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحُمْلَانُ بِالضَّمِّ وَالْحَمْلُ مَصْدَرُ حَمَلَ وَالْحُمْلَانُ أَيْضًا أَجْرُ مَا يُحْمَلُ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَضَاعَا) أَيْ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ غَرِمَا أَلْفًا وَالْمَالِكُ أَلْفًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالُوا هَذَا جَوَابُ الْحَاصِلِ يَعْنِي أَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ يَجِبُ هَكَذَا وَلَكِنَّ الْأَلْفَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ يَجِبَانِ جَمِيعًا عَلَى الْمُضَارِبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُبُعُ الْعَبْدِ إلَخْ) مِنْ قَوْلِهِ وَرُبُعُ الْعَبْدِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى أَلْفَيْنِ مِنْ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرُبُعُهُ لِلْمُضَارِبِ) أَيْ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الثَّمَنِ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ) فَلَمَّا مَلَكَ الْمُضَارِبُ رُبُعَهَا بِسَبَبِ ضَمَانِ رُبُعِ الثَّمَنِ خَرَجَ رُبُعُهَا عَنْ الْمُضَارَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا) أَيْ إذْ ضَمَانُ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَنَ لَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ) أَيْ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute