نِصْفَانِ وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفَانِ فَصَارَ الْفِدَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَرْبَاعًا فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرُّبُعُ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ فَإِذَا فَدَيَاهُ خَرَجَ الْعَبْدُ كُلُّهُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ أَمَّا نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ فَبِقَضَاءِ الْقَاضِي بِانْقِسَامِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِالْفِدَاءِ يَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْفِدَاءِ يُوجِبُ سَلَامَةَ الْمُفْدَى وَلَا سَلَامَةَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ بِخِلَافِ مَا مَضَى؛ لِأَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ ثَمَّ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَا ضَمِنَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ صَارَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِمَا إذْ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الدَّفْعُ وَبِالْفِدَاءِ صَارَ كَأَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ يَخْدُمُهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَخْدُمُ الْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْ رَبَّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبَ يَوْمًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ النَّقْدِ دَفَعَ الْمَالِكُ أَلْفًا آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَضَاعَ الثَّمَنُ قَبْلَ النَّقْدِ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا، ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ النَّقْدِ أَيْضًا رَجَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا فَهَكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كُلَّمَا هَلَكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ هَلَاكِ الثَّمَنِ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ وَالْمُضَارَبَةُ تُنَافِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكُلُّ مَا قَبَضَ يَكُونُ أَمَانَةً وَإِذَا هَلَكَ كَانَ الْهَالِكُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ فَإِذَا قَبَضَهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِذَلِكَ فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِذَا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تُنَافِي الضَّمَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ جَازَ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ مَا قَبَضَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَمَانَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقَعْ اسْتِيفَاءً بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ، ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ النَّقْدِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِوُقُوعِ الْأَوَّلِ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا بِقَبْضِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ أَمَانَةً فَإِذَا هَلَكَ رَجَعَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، ثُمَّ إذَا هَلَكَ لَا يَرْجِعُ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ أَصْلًا وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ؛ وَلِأَنَّ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لَزِمَ مِنْهُ تَضْيِيعُ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ ثَانِيًا يَضِيعُ وَفِي الْمُضَارَبَةِ لَا يَضِيعُ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيَسْتَوْفِيهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لَتَضَرَّرَ الْمُضَارِبُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ بِالشِّرَاءِ مَرَّةً وَانْعَزَلَ فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِانْعِزَالِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِالتَّصَرُّفِ بَلْ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا دَامَ مُتَصَرِّفًا لَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفَانِ فَقَالَ دَفَعْتَ إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْتُ أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ دَفَعْتُ أَلْفَيْنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا مَضَى إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ دَفْعَ الْفِدَاءِ هُنَا كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ فَيَخْرُجُ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ثَمَّةَ دَفْعُ الثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ كَابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ وَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ فِيهَا لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بِخِلَافِ الرُّبُعِ فَإِنَّهُ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ لِلْمُنَافَاةِ وَقَدْ مَرَّ الْبَيَانُ ثَمَّةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا فَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَالَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا أُخْرَى أَبَدًا فَإِذَا دَفَعَهَا الْمُضَارِبُ إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ بِرِبْحٍ كَثِيرٍ فَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ مِنْ بَعْدُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ أَبَدًا مِنْ الْخَوَاصِّ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا هَلَكَ الْمَالُ رَجَعَ مَرَّةً فَإِنْ هَلَكَ رَجَعَ أُخْرَى فَإِنْ هَلَكَ فَكَذَلِكَ ثُمَّ هَلَكَ كَذَلِكَ أَيْضًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى الْبَائِعِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا إلَيْهِ ثُمَّ اشْتَرَى فَهَلَكَ الثَّمَنُ الْمَنْقُودُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ إلَيْهِ فَاشْتَرَى ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ يَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ أَصْلًا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَصْلَيْ الْوَكَالَةِ أَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِحَقِّ الْأَمَانَةِ دُونَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا هَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَهُوَ دَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ فَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَصْلًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يُنَافِي الْوَكَالَةَ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ يَصِيرُ وَكِيلًا وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَمِينًا وَعَقْدُ الْوَكِيلِ يُوجِبُ دَيْنًا لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا قَبَضَ مِنْ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ حُمِلَ قَبْضُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ لَا عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ مَرَّةً لَمْ يَبْقَ الْحَقُّ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِحَالٍ فَيُحْمَلُ قَبْضُهُ عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ كَانَ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا وَهُوَ بَاطِلٌ؛ وَلِهَذَا رَجَعَ الْمُضَارِبُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْبَائِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ) يَعْنِي لَا يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يَصِلَ رَبُّ الْمَالِ إلَى جَمِيعِ مَا أَوْصَلَهُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً لَا يُرَابِحُ إلَّا عَلَى أَلْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute