للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ بَاقٍ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، وَصَاحِبُهَا رَضِيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِ رَأْيِهِ لَا بِصُورَةِ يَدِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِيدَاعَ مُبَاحٌ لَهُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ رَأْيُ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ فَإِذَا فَارَقَهُ صَارَ مُضَيِّعًا لَهَا وَقْتَ التَّفْرِيقِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْعَقْدِ، وَالْقَابِضُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالْقَبْضِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ الْأَوَّلُ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا بَعْدَهُ، وَهُوَ لَمْ يُفَوِّتْ الْحِفْظَ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي أَوَّلِهِ أَمِينًا وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ فِعْلٌ يُبْطِلُهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاسْتِمْرَارِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدُ فَكَذَا هَذَا، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُتَعَدِّيًا بِدُونِ إحْدَاثِ فِعْلٍ آخَرَ

وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ لَمَا ضَمِنَ بِالْفِرَاقِ كَمَا إذَا دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ فَلَمَّا ضَمِنَ بِالْفِرَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَيَكُونُ الْقَابِضُ مِنْهُ أَيْضًا مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَازَ لَهُ الدَّفْعُ، وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا صَارَ كَأَنَّ الْمُودِعَ قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِك بِشَرْطِ أَنْ لَا تُفَارِقَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا دَامَ مَعَهُ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَاصِبِ وَالْغَاصِبِ مِنْهُ وَأَخَوَاتِهَا؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مِثْلَهُ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَذَا بَقَاءً، ثُمَّ مُودَعُ الْغَاصِبِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ وَحَكَى أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ بِالْإِيدَاعِ وَلَا مُودَعُ الْمُودَعِ بِالْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُودِعَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ مِثْلَ مَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَحْفَظَ مَالَهُ تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِغَيْرِهِ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُودِعِ الرِّضَا بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا الدَّلَالَةُ عَلَى الرِّضَا إذْ لَوْ رَضِيَ بِغَيْرِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ كُلٌّ أَنَّهُ لَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَنَكَلَ لَهُمَا فَالْأَلْفُ لَهُمَا وَغُرْمُ آخَرَ بَيْنَهُمَا) أَيْ إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَلْفٌ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ يَحْلِفُ لَهُمَا فَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَاهُمَا صَحِيحَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَهُمَا فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ نَكَلَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ لَهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِهِ، أَوْ لِبَذْلِهِ إيَّاهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَلِأَيِّهِمَا بَدَأَ الْقَاضِي بِالتَّحْلِيفِ جَازَ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَلِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْأَوْلَى عِنْدَ التَّشَاحِّ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمَا وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ فَإِنْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ لَا يَقْضِي بِهِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ لِلثَّانِي لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ هَلْ هُوَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ بِنَفْسِهِ وَالنُّكُولُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا بِصُورَةِ يَدِهِ) أَيْ لَا بِاعْتِبَارِ صُورَةِ مُجَرَّدِ يَدِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ رَأْيِ الْأَوَّلِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إلَخْ) هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ أَوْرَدَهُمَا الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ وَنَصُّهُ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ ضَامِنًا كَانَ الثَّانِي آخِذًا مِنْ يَدِ ضَمِينٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي ضَامِنًا ضَرُورَةً قُلْت هَذِهِ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ بَلْ هُوَ أَمِينٌ حِينَئِذٍ لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا صَارَ ضَامِنًا بِالْمُفَارَقَةِ بِصُنْعٍ مِنْهُ وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فَلَا يَضْمَنُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَضْمَنُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي قَوْل ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ تَمْلِيكَهُ غَيْرَهُ بِمِثْلِ مَا مَلَكَهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ يَأْذَنُ وَالْمُكَاتَبُ يُكَاتِبُ وَالْمُسْتَأْجِرُ يُؤَاجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ يُعِيرُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْإِيدَاعِ وَلَا مِنْ الثَّانِي فِي الْقَبْضِ اهـ (قَوْلُهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ) وَقِيَاسُهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِمَالِكٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِعَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَلَا لِمَنْفَعَتِهَا وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مَلَكَ مَنَافِعَ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا قَالَ تَكُونُ هَذِهِ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَيَغْرَمُ أَلْفًا أُخْرَى فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَفْعُ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا أَلْفًا وَاحِدَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى أَمَّا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا فَلِأَنَّهُ لَمَّا نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ أَلْفًا فَلَمَّا نَكَلَ لِلْآخَرِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا فَلَمَّا أَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَصِلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَمَامَ الْأَلْفِ، بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ادَّعَى دَعْوَى صَحِيحَةً لِاحْتِمَالِ الصِّدْقِ فِي دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلَكِنْ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُحَلِّفُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ لِبَذْلِهِ إيَّاهُ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِأَيِّهِمَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلِأَيِّهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ فَإِنَّهُ بَعْدَ نُكُولِهِ لِلْأَوَّلِ إنْ نَكَلَ لِلثَّانِي يَكُونُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَيَقْضِي لَهُمَا جُمْلَةً، وَإِنْ حَلَفَ لِلثَّانِي كَانَ كُلُّ الْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>