للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَكُونُ هُنَاكَ بِلَا حَافِظٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَالْإِيصَالِ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ يَحْفَظُ دَوَابَّهُ بِسَائِسِهِ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى صَاحِبِهَا عَادَةً وَهُوَ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمَالِكِ لَدَفَعَهَا هُوَ إلَى السَّائِسِ وَحِفْظُهُ بِسَائِسِهِ كَحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ فَيَكْتَفِي بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ إلَى السَّائِسِ أَوْ مِنْ السَّائِسِ إلَى السَّائِسِ أَوْ مِنْ السَّائِسِ إلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى سَائِسِ الْمَالِكِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْدَعَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ لِمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ بِخِلَافِ غُلَامِ نَفْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَهَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَدِ الْغِلْمَانِ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِيهِمْ عَادَةً كَعُقَدِ لُؤْلُؤٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَرَدَّهَا الْمُسْتَعِيرُ إلَى يَدِ غُلَامِ صَاحِبِهَا أَوْ وَضَعَهَا فِي دَارِهِ أَوْ إصْطَبْلِهِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ فِي مِثْلِهِ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَهُ الْمُودِعُ إلَى غُلَامِهِ يَضْمَنُ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا إذَا رَدَّهَا إلَى يَدِ عَبْدِهِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَائِمًا يَدْفَعُ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ رِضَا الْمَالِكِ مَوْجُودًا دَلَالَةً، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَعَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا، ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا حَتَّى إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ فَكَذَا إذَا تَرَكَهَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَأ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْعَارِيَّةُ فَإِذَا كَانَ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْإِيدَاعَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْإِيدَاعِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ أَطْعَمْتنِي أَرْضَك) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّك أَطْعَمْتنِي أَرْضَك وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَا يَكْتُبُ أَنَّك أَعَرْتنِي؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ هِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِهَذَا الْعَقْدِ وَالْكِتَابَةُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الثَّوْبِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ فِيهِ أَعَرْتنِي وَلَا يَكْتُبُ أَلْبَسْتنِي وَلَا أَسْكَنْتنِي وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الزِّرَاعَةَ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَنْتَظِمُ الزِّرَاعَةَ وَالْبِنَاءَ وَالْمَرَاحَ وَنَصْبَ الْخِيَامِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا غَيْرُ مُتَنَوِّعَةٍ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ الْعَارِيَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ فِي حَقِّ الْعَيْنِ مُودِعٌ وَأَمِينٌ وَالْمُودِعُ يَمْلِكُ الدَّفْعَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ فَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَعَبْدُهُ فِي عِيَالِهِ، وَكَذَا أَجْبُرُهُ إذَا كَانَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ فَكَانَ الرَّدُّ إلَى يَدِ هَؤُلَاءِ كَالرَّدِّ إلَى يَدِ الْمَالِكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غُلَامِ نَفْسِهِ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ بِعَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَنَزَلَ عَنْهَا فِي السِّكَّةِ أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فَخَلَّى عَنْهَا فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْبَيْتَ وَتَرَكَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ لَمَّا غَيَّبَهَا عَنْ عَيْنِهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَرْبِطْهَا بِشَيْءٍ أَمَّا إذَا رَبَطَهَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَنَزَلَ لِيُصَلِّيَ وَكَانَ يُمْسِكُهَا فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْسَكَهَا لَمْ يَتْرُكْ حِفْظَهَا، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَبَعَثَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ وَكِيلِهِ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ فَحَمَلَ الْوَكِيلُ طَعَامًا لِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ خُصُومَةِ الْمُتَفَاوِضِينَ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِيَكْرُبَ أَرْضَهُ وَعَيَّنَ الْأَرْضَ وَكَرَبَ أَرْضًا أُخْرَى فَعَطِبَ الثَّوْرُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ تَخْتَلِفُ فِي الْكِرَابِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً بِخِلَافِ مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ إلَى مَكَان آخَرَ بِتِلْكَ الْمَسَافَةِ كَانَ ضَامِنًا، وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ الثَّوْرَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَكْرُبْ حَتَّى عَطِبَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِمْسَاكِ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ، وَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَذْهَبْ، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا وَضَعَ الْمُسْتَعَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَامَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا حِفْظٌ عَادَةً لَكِنْ هَذَا إذَا نَامَ جَالِسًا، أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ بِالرَّدِّ إلَى رَبِّ الدَّابَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ قَصْدًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، وَقَدْ مَرَّ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يُؤَوِّلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَيَقُولُ بِأَنَّ الْعَارِيَّةُ قَدْ انْتَهَتْ فَبَقِيَ مُودِعًا وَالْمُودِعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ) أَيْ الْمُعَارُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَحَقُّ بِأَنْ تُرَادَ وَبِقَوْلِهِمَا أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّرَاعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَارِيَّةَ الْأَرْضِ قَدْ تَكُونُ لِلزِّرَاعَةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهَا مِنْ السُّكْنَى وَالْبِنَاءِ وَلَفْظُ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ مَعْنَاهُ أَذِنْت لَك أَنْ تَزْرَعَ فِيهَا لِتَأْكُلَ مِنْ غَلَّاتِهَا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ يَكْتُبُ بِهَا لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ وَيُعْلَمَ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الزِّرَاعَةِ خَاصَّةً دُونَ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَلَفْظَةُ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا مَعْلُومٌ لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْلَمُ أَنَّ ذَاتَ الْأَرْضِ لَا تُؤْكَلُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ لِتَبَيُّنِ الْمُرَادِ بِهَا. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>