للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ؛ لِأَنَّ مَا رَأَى مِنْ التَّأْدِيبِ لَمْ يَصِرْ مَنْقُولًا إلَيْهِ لَأَنْ يَصِحَّ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ وَالزَّائِدُ مِنْ الْمُعَلِّمِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا بَعْدَ مَا جَرَحَتْهُ السِّيَاطُ لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَمْ يَجِبْ بِشَهَادَتِهِمْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَزْعِ السَّرْجِ وَالْإِيكَافِ أَوْ الْإِسْرَاجِ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ) مَعْنَاهُ لَوْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ أَوْ أَوْكَفَهُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ وَلَا خِلَافَ فِي جِنْسِ السَّرْجِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالْإِسْرَاجِ وَالْإِكَافِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَإِنْ أَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ تَنَاوَلَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِهِ وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا كَانَ بِمِثْلِهِ تُوكَفُ الْحُمُرُ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِهِ كَمَا فِي السَّرْجِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءٌ فَإِذَا رَضِيَ بِالسَّرْجِ يَكُونُ رَاضِيًا بِمِثْلِهِ مِنْ الْإِكَافِ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ لِلْحِمْلِ وَالسَّرْجَ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبِسَطُهُ الْآخَرُ فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالْحَدِيدِ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِجَارَاتِ فَقَالَ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا يَضْمَنُ فَكَانَ الْمُطْلَقُ مَحْمُولًا عَلَى الْقَدْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَسَّاحَةِ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُلُوكِ طَرِيقٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ وَتَفَاوَتَا) أَيْ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا عَيَّنَ لِلْمُكَارِي طَرِيقًا وَسَلَكَ هُوَ غَيْرُهُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِأَنْ كَانَ الْمَسْلُوكُ أَوْعَرَ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ أَخْوَفَ بِحَيْثُ لَا يُسْلَكُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا فَإِذَا خَالَفَ فَقَدْ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ وَبَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْأُجْرَةِ وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّلَفِ يَجِبُ الضَّمَانُ، وَالْمَحْظُورُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي الْعَمَلِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ وَإِنْ سَلِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ عَدَمُ التَّفَاوُتِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقِينَ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لَا يَصِحُّ التَّعْيِينُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَجَعَلَاهُ كَالطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ الْكُلَّ وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) أَيْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ إنْ هَلَكَ الْقُمَاشُ وَإِنْ سَلِمَ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَقَوْلُهُ الْكُلَّ عَائِدٌ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ إلَى هُنَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَمِيعِهَا جَمِيعُ الْقِيمَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي وَلَوْ تَكَارَى حِمَارًا عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ وَرَكِبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ اكْتَرَى حِمَارًا عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ، ثُمَّ رَكِبَهُ كَانَ ضَامِنًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَهَذَا إذَا كَانَ حِمَارًا لَا يُسْرَجُ مِثْلُهُ عَادَةً،

أَمَّا إذَا كَانَ يُسْرَجُ وَيُرْكَبُ بِالسَّرْجِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرُّكُوبُ وَالسَّرْجُ آلَةٌ لَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِوَضْعِ السَّرْجِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَقَدْ فَصَّلَ أَصْحَابُنَا هَذَا وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَ إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يُرْكَبُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِغَيْرِ سَرْجٍ وَلَا إكَافٍ فَلَمَّا آجَرَهُ كَذَلِكَ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَقَالُوا وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَهُ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَلَهُ أَنْ يُسْرِجَهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَرْكَبُ مِنْ غَيْرِ سَرْجٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَأَسْرَجَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَرْكَبُ فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَرْجٍ وَالسَّرْجُ أَثْقَلُ عَلَى الدَّابَّةِ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا زَادَ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اخْتَلَفُوا فِيهِ

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمَانَ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا عُرْيَانَا، وَقَدْ رَكِبَ مَعَ السَّرْجِ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الرُّكُوبَ عَلَى السَّرْجِ أَضَرُّ عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ ثِقَلَ الرَّاكِبِ وَالسَّرْجِ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ ضَمَانُ قَدْرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ فَكَانَ السَّرْجُ كَالْحِمْلِ الزَّائِدِ عَلَى الرُّكُوبِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَرَكِبَ وَحَمَلَ مَعَهُ حِمْلًا يَضْمَنُ قَدْرَ الزِّيَادَةِ وَإِنْ عَطِبَتْ فَكَذَا هَذَا؛ لِأَنَّ السَّرْجَ صَارَ كَزِيَادَةِ الْحِمْلِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِجَامٌ فَأَلْجَمَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُلْجِمُ بِذَاتِ اللِّجَامِ، وَكَذَلِكَ إذَا بَدَّلَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يَخْتَلِفُ بِاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتْلَفُ بِهِ فَلَمْ يَضْمَنُ بِإِلْجَامِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا كَانَ بِمِثْلِهِ تُوكَفُ الْحُمُرُ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا) كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْعُيُونِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. حَقَائِقُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ) أَيْ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ مَنَوَيْنِ وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءٍ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا اهـ حَقَائِقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>