الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِ ذَلِكَ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا، وَقَالُوا الْأَحْكَامُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى مَنَعَهُنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَيُحْبَسُ عَلَيْهَا، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُفْتَى بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا ثُمَّ قَالَ وَفِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ يَقُولُ فِي زَمَانِنَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ أَخْذُ الْأَجْرِ قَالَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَلَاهِي) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقُّ هُوَ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْئًا إذْ الْمُبَادَلَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ لِلْمَعْصِيَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مُضَافًا إلَى الشَّارِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرَعَ عَقْدًا مُوجِبًا لِلْمَعْصِيَةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ مُشْتَرَكَانِ فِي مَنْفَعَةِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَمَلٍ هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ رَجُلًا لِيَقْتُلَ لَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيَقُومَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُقِيمَ الْحُدُودَ جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جَازَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مِثْلَ الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ إنَّ بَيَّنَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ شَهْرًا لِيُعَلِّمَهُ هَذَا الْعَمَلَ يَجُوزُ وَيَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُدَّةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ تَعَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ إذَا سَلَّمَ الْأُسْتَاذُ نَفْسَهُ لِذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فَيَنْعَقِدُ لَكِنْ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ عَلَّمَ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا تَعْلِيمُ سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالْخَطِّ وَالْهِجَاءِ وَالْحِسَابِ عَلَى هَذَا، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُحَذِّقَهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ التَّحْذِيقَ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّمِ وَالْحَذَاقَةُ لِمَعْنًى فِي الْمُتَعَلِّمِ دُونَ الْمُعَلِّمِ وَلِأَنَّ الْحَذَاقَةَ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ تَنْتَهِي إلَيْهِ فَكَانَ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا وَفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْخَاء الثَّانِيَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ الثَّانِيَةِ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةِ خَيْزَاخَزَ مِنْ قُرَى بُخَارَى. اهـ. جَوَاهِرُ
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَشَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا عَلَى الْحِدَاءِ وَقِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَهْوٌ وَلَعِبٌ وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْمَعَاصِي وَاللَّعِبِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ شَهِدَ أَبَا وَائِلٍ فِي وَلِيمَةٍ فَجَعَلُوا يُغَنُّونَ فَحَلَّ أَبُو وَائِلٍ حَبْوَتَهُ وَقَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ» اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَلَاهِي) كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ، أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِكَاتِبٍ يَكْتُبُ لَهُ غِنَاءً وَنَوْحًا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَلِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَالطَّبْلُ إنَّمَا يَكُونُ مَنْهِيًّا إذَا كَانَ لِلَّهْوِ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَطَبْلِ الْغُزَاةِ وَطَبْلِ الْعُرْسِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِيُشْهَرَ ذَلِكَ وَيُعْلَنَ بِهِ النِّكَاحُ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهَةِ مِنْ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ نَصَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا آجَرَ بَعْضَ مِلْكِهِ أَوْ آجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ فَاسِدٌ سَوَاءٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ. قُلْت صَحَّحَ فِي الْحَقَائِقِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَهُوَ فِي نَظْمِ الْخِلَافِيَّاتِ وَقَالَ الْقَاضِي إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ فَاسِدَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنْ آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَوْ مِنْ ثَالِثٍ لَا يَجُوزُ فِي الْأَظْهَرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْوَقْفِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى وَفِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْتَمَدَهُ النَّسَفِيُّ وَبُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ الْمَحْبُوبِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْمُغْنِي إنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا. قُلْت شَاذٌّ مَجْهُولُ الْقَائِلِ فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفَسَدَ إلَخْ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَلَمْ يُجَوِّزْ رَهْنَ الْمَشَاعِ وَلَا هِبَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ. قُلْت إنَّهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْقَبْضُ، وَالْإِشَاعَةُ تُؤَثِّرُ فِي الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute