الْعَمَلِ فَيَقُولُ اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلرَّعْيِ أَوْ لِلْحَصَادِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ فَيَبْقَى أَجِيرَ وَحَدٍ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ شَرَطَ حُكْمَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَقَالَ عَلَى أَنْ تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي مَعَ غَنَمِي أَوْ أَخَّرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ شَهْرًا كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا بِأَوَّلِ الْكَلَامِ بِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ شَهْرًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ أَجِيرَ وَحَدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا يُغَيَّرُ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ كَانَ نَوْعَ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ رَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأُجْرَةِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فَيَقْعُدُ عِنْدَهُ طَوِيلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَتْ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ حَتَّى لَا يَتَوَانَى فِي حِفْظِهِمَا وَأَجِيرُ الْوَحَدِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَخَذَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى مِلْكِهِ صَحَّ وَصَارَ نَائِبًا مِنَّا بِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ، وَإِنَّمَا الْخَرْقُ فِي الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَلَامَتُهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَيَضْمَنُ لِلتَّعَدِّي كَالْمُودَعِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ بِتَرْدِيدِ الْعَمَلِ فِي الثَّوْبِ نَوْعًا وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ وَفِي الدُّكَّانِ وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ مَسَافَةً وَحَمْلًا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَجْرُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ تَسْمِيَتَيْنِ بِجَعْلِ الْعَمَلِ مُتَرَدِّدًا فِي الثَّوْبِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْعَمَلِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنَّ خَطَّتْهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَطَّتْهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِجَعْلِ الْعَمَلِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ زَمَانَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ أَيْ فِي الْمُتَرَدِّدِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَمَا يُولَدُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَالْمُودَعِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَفْسَ الْعَمَلِ أَوْ وَصْفَ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ أَجِيرِ الْوَحَدِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرُبَّمَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ هَذَا الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ وَرُبَّمَا يَتَأَتَّى مِنْهُ وَصْفُ الْقِصَارَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَرُبَّمَا لَا يَتَأَتَّى فَكَانَ فِيهِ جَهَالَةٌ وَغَرَرٌ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَجَعَلْنَا الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِهَذَا الزَّمَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ الْمَنْفَعَةُ لَا وَصْفَ الْقِصَارَةِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ وَصْفُ الْقِصَارَةِ الْأَحْكَامُ مِنْهَا أَنَّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ إذَا سَلَّمَ النَّفْسَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الْمُسْتَأْجِرُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ وَصْفُ الْقِصَارَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْخَاصِّ لَوْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مَنَافِعَ نَفْسِهِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ وَصْفَ الْقِصَارَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لَوْ خَاطَ ثُمَّ نَقَضَ الْخِيَاطَةَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَنْفَعَةَ النَّفْسِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى الْمَالِكِ كَذَا قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. اهـ.
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ) كَمَا إذَا ضَاعَ أَوْ سُرِقَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ اهـ ق.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِعَمَلِهِ) كَالْفَسَادِ فِي الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالتَّخْرِيقِ فِي الْغُسْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ ق (قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ) أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ) حَتَّى لَا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا أَوْ لَا يَأْخُذَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْفَظُهُ اهـ كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَأَجِيرُ الْوَحَدِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ وَلَا يَتَسَلَّمُ الْعَيْنَ فِي الْعَادَةِ بَلْ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الْعَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَأَخَذَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي) أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ) فَفَسَدَ مِنْ عَمَلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (وَقَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ) يَعْنِي أَنَّ مَنْفَعَةَ أَجِيرِ الْوَحَدِ هِيَ الْمَبِيعَةُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمُودَعِ) وَعَلَى هَذَا أَجِيرُ الْقَصَّارِ وَسَائِرِ الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّ التِّلْمِيذَ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَلَا يَضْمَنُ وَيَضْمَنُ الْأُسْتَاذُ وَلَا يَرْجِعُ الْأُسْتَاذُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى التِّلْمِيذِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ
. (قَوْلُهُ مَسَافَةً وَحَمْلًا) رَاجِعَانِ لِلدَّابَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَجْرَ مُتَرَدِّدًا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرًا مَعْلُومًا فَذَلِكَ جَائِزٌ كَرَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ قَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِعَشْرَةٍ أَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ دَابَّتَيْنِ أَوْ فِي مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَقَالَ قَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا أَوْ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَعْلُومٌ فِي حَالِ وُجُوبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا فَقَالَ إنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمَانِ أَوْ قَالَ لِلصَّبَّاغِ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ صَبَغْته بِزَعْفَرَانٍ فَلَكَ دِرْهَمَانِ فَذَلِكَ أَيْضًا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالْعَمَلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ صَاحِبِهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ ذَكَرَ أَرْبَعَةً لَمْ يَجُزْ اهـ أَتْقَانِيٌّ