بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَمَعَ نَفْيِهِ فَكَذَا إذَا سَمَّى مَالًا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ
وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ إذْ هِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ، وَكَذَا جِنْسُهَا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ وَهُوَ النَّقْدَانِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَفَسَدَ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا هُوَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا حَتَّى فِي النِّكَاحِ وَلِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهَا تَنْصِيصٌ عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَبْدٌ وَسَطٌ أَوْ قِيمَتُهُ حَتَّى لَوْ أَتَى بِقِيمَتِهِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَاسِدَةً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ قَصْدًا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا قَصْدًا وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ تَجِبُ حُكْمًا لَا قَصْدًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ حُكْمًا لِغَيْرِهِ
وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ بِالْعِجْلِ لَا تَجُوزُ وَتَجُوزُ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَكَذَا بَيْعُ الْجَنِينِ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ وَلَا فِي فَسَوْخِهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ مِثْلُهَا فِي الذِّمَّةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى عَيْنِ الْغَيْرِ جَائِزَةٌ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا الْعَبْدُ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ رَدَّ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَوْهُومَةٌ فَصَارَ كَالْمَهْرِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطُ الصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَتَسْلِيمُ تِلْكَ الْعَيْنِ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ بِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ تَسْلِيمُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً رَضِيعَةً جَازَ فَعَلَى مَا هُوَ تَابِعٌ فِيهِ وَهُوَ الصَّدَاقُ أَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الْقُدْرَةُ، وَلِهَذَا جَازَ مَعَ نَفْيِ الصَّدَاقِ أَيْضًا وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ الْمُكَاتَبُ بِمَكَاسِبِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُرِّيَّةُ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَتَتَرَاخَى حُرِّيَّةُ الرَّقَبَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ
فَلَوْ جَازَ هَذَا لَثَبَتَتْ حُرِّيَّةُ الْيَدِ وَالرَّقَبَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعَاقُبِ فَيَكُونُ إعْتَاقًا بِبَدَلٍ وَلَا يَكُونُ كِتَابَةً؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ لِإِثْبَاتِ الْحُرِّيَّتَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ مَقْصُودُهُ لَا يَنْعَقِدُ وَلِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ هَذِهِ الْكِتَابَةُ لَكَانَ الْأَدَاءُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى إذْ الْإِجَارَةُ تَسْتَنِدُ إلَى الْعَقْدِ فَتَصِيرُ الْعَيْنُ مِنْ أَكْسَابِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَكَسْبُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ مِلْكٌ لَهُ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالِ الْمَوْلَى لَا مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ الْعَبْدُ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْعَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى ضَرُورَةً، وَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ، فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِلْمُكَاتَبِ مِلْكُ كَسْبِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِحَاجَةٍ إلَى الْأَدَاءِ مِنْ الْمَكَاسِبِ وَلَا حَاجَةَ إذَا كَانَ الْبَدَلُ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ أَجَازَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجِزْ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ قِيمَةِ الْعَيْنِ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعَيْنَ فَأَدَّى لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ تِلْكَ الْعَيْنَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ كَذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَرَوَى صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ قَالَ لَهُ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ مَعَ الْفَسَادِ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَقَدْ وُجِدَ الْأَدَاءُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَكَذَا جِنْسُهَا مَجْهُولٌ) قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ فَلِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَا تَصْلُحُ مَهْرًا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى قِيمَةِ هَذَا الْعَبْدِ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي بَابِ النِّكَاحِ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي بَابِ الْكِتَابَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَأَمَّا الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَلِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ شَيْئَيْنِ مُعَاوَضَةً وَتَعْلِيقًا فَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ اعْتَبَرْنَا يَعْتِقُ أَمَّا الْمُعَاوَضَةُ فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَصِيرُ عِوَضًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا سَمَّى لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّى لَمْ يَعْتِقْ بِأَدَاءِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ الْجِنْسِ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ إذَا أَدَّى أَقْصَى قِيمَتَهُ وَهِيَ مَلْفُوظَةٌ فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِأَدَائِهَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ ثُمَّ قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَا يَعْدُوهُمَا، وَكَذَا إذَا قَوَّمَ الْمُقَوِّمُونَ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فِي الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ أَقْصَى الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، فَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى عَيْنٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا كُلُّ مَا عَيَّنَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، فَإِنْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ فُلَانٍ هَذِهِ جَازَتْ الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى مِثْلِهَا، فَإِنْ أَدَّتْ غَيْرَهَا عَتَقَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ كَاتَبَنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهَا مِنْ مَالِ فُلَانٍ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ