لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا لَا يُوقَفُ عَلَى مُرَادِ الْمَوْلَى فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً فَلَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ أَدَّى قِيمَتَهُ أَيْضًا لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صَرِيحٌ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ وَهِيَ تَنْعَقِدُ مَعَ الْجَهَالَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الثَّوْبِ وَالْمُكَاتَبَةُ مُعَاوَضَةٌ فَتَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ تَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ شَيْئًا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ أَوْ لِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى وَلَا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ إذْ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا لَا عَلَى الْمُسَمَّى وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ مُعَلَّقٌ بِأَدَاءِ الْعِوَضِ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِمُطْلَقِ الْأَدَاءِ، فَإِذَا كَانَ الْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ عِوَضًا كَثَوْبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ عِوَضًا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالْقِيمَةِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ الْأَدَاءِ حَتَّى تَصِيرَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَلِهَذَا صِيرَ إلَيْهَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَضَمَانِ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ) أَيْ صَحَّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ كَالْعَبْدِ وَالْوَصِيفِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ فَالْعَيْنُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ وَالْقِيمَةُ أَيْضًا أَصْلٌ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِهَا فَاسْتَوَيَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ بِأَنْ كَانَ كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ وَكَالْبَيْعِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا مُعَاوَضَةً لَا يَصِحَّانِ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَجَازَ الْكِتَابَةَ عَلَى الْوَصِيفِ وَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ فَلَا تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ بِالْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ فِي الْبَدَلِ كَالنِّكَاحِ وَصَارَ كَالْجَهَالَةِ فِي الْأَجَلِ فَإِنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى الْعَطَاءِ وَنَحْوِهِ كَالْحَصَادِ صَحَّ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايِقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ وَهُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ مَالٍ فِي الِابْتِدَاءِ إذْ الْبَدَلُ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ لِكَوْنِهِ يُقَابِلُ الرَّقَبَةَ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ الْمِلْكَ عَنْهُ لِكَوْنِ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ مَالِيَّةَ نَفْسِهِ فَشَابَهُ النِّكَاحَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فَاحِشَةٌ فِيهِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ حَيْثُ يَفْسُدُ وَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْقِيمَةِ جَهَالَةٌ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصُّوفِ فِي الْحَالِ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْعَبْدِ جَهَالَةٌ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَخَفَّتْ الْجَهَالَةُ، وَلِهَذَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ عَبْدٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى عَبْدٍ يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا فَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَجَهَالَةُ جِنْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا تَمْنَعُ فِي الْكُلِّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ كَاتَبَ كَافِرٌ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ) يَعْنِي صَحَّ هَذَا الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْعَصِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَتَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا وَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُسْلِمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيٌّ أَسْلَمَ فَلَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا وَفِي تَسْلِيمِ عَيْنِ الْخَمْرِ تَمْلِيكُهَا وَتَمَلُّكُهَا إذْ الْمَوْلَى لَمْ يَمْلِكْهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ وَالْقَبْضُ يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَتَمَلُّكًا مِنْ الْمَوْلَى فِي الْحَالِ عِوَضًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى إيجَابِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُسَمَّى وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى مَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْجُمْلَةِ فَفِي الْكِتَابَةِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ بَدَلًا فِي الْجُمْلَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ أَوْ نَحْوِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فَكَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى الْقِيمَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَبْقَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيمَةِ صَحِيحًا أَصْلًا فَكَذَا لَا يَبْقَى عَلَيْهَا أَصْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَ بِقَبْضِهَا) أَيْ بِقَبْضِ قِيمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَسَلَامَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَحَدِهِمَا تُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لَا نَوْعَهُ) كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَصِفَتَهُ) جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ اهـ كَاكِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute