للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِأَجْلِهِ لِمَا أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا لَا غَيْرُ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا وَلِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي الرَّقَبَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْهِبَةُ وَالتَّصَدُّقُ إلَّا بِيَسِيرٍ) لِأَنَّهُ مَا تَبَرَّعَ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ إذْ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ضِيَافَةٍ وَإِعَارَةٍ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ وَهِيَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَتَوَابِعِهِ لَا يَهَبُ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَلَا يَمْلِكُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّكَفُّلُ وَالْإِقْرَاضُ) لِأَنَّهُمَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ وَلَيْسَا مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَلَا مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَالَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَالِ أَوْ فِي النَّفْسِ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِالْأَمْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَبَرُّعٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ، وَبَيْعُ نَفْسِهِ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَلَوْ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَكَالَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَزْوِيجُ عَبْدِهِ) أَيْ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ، وَكَذَا لَا يُوَكِّلُ بِهِ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ وَنَقْصٌ لِمَالِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ شَاغِلًا لِرَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ وَلِكَسْبِهِ بِالنَّفَقَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالَأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ وَلَا يَمْلِكُ مُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ شَيْئًا مِنْهُ) لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ الِاكْتِسَابَ كَالْمُكَاتَبِ فَيَمْلِكَانِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَكِتَابَةِ مَمْلُوكِ الصَّغِيرِ، وَالْمُضَارِبُ وَشَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا التِّجَارَةَ وَالتَّزْوِيجُ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَا مِنْهَا، وَهَذَا لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْبُضْعُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي الْحَالِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَمْلِكُونَهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْمَنَافِعِ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَثَبَتَ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ تَصْلُحُ مَهْرًا، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَمَا صَلَحَتْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَلَمْ يُشَرِّعْهُ بِغَيْرِ الْمَالِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ عَامًّا فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْجَدِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكُلِّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ خَاصًّا فِي التِّجَارَةِ كَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ شَرِيكَ الْمُفَاوَضَةِ كَالْمُكَاتَبِ وَجَعَلَهُ فِي الْكَافِي كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، وَجَعْلُهُ كَالْمَأْذُونِ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتَبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِمَالِكٍ رَقَبَتَهُ وَالْعِتْقُ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ»، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِعْتَاقُ صَارَ مُكَاتَبًا مِثْلَهُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَلَا تَعَذُّرَ فِي حَقِّهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّلَةَ وَهِيَ الْعِتْقُ تَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَلَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، ثُمَّ ذِكْرُ الْأَبِ وَالِابْنِ هُنَا وَقَعَ اتِّفَاقًا وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِهِمَا بَلْ جَمِيعُ مَنْ لَهُ قَرَابَةُ الْوِلَادِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا)، وَإِنَّمَا شُرِطَ اتِّفَاقُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَمِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بَاقٍ فَلَا يَنْفَرِدُ الْعَبْدُ أَيْضًا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي الْجِيمِ مَعَ الْهَاءِ وَالزَّايِ وَالْمُجَاهِزُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْغَنِيُّ مِنْ التُّجَّارِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّكَفُّلُ) وَحُكْمُ كَفَالَتِهِ فِي الْحَالِ كَكَفَالَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تَصِحُّ فِي حَقِّهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا فِي الْحَالِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَا مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ أَقْرَضَ لَا يَطِيبُ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَجُوزُ كَمَا نَقُولُ فِي قَرْضِ الْأَعْيَانِ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَكْلُهُ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ الْفَاسِدِ اهـ كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِالْأَمْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ اهـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَقَدْ قَالُوا لَوْ أَجَازَ الْمَوْلَى كَفَالَتَهُ أَوْ هِبَتَهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ إذَا أَجَازَ عِتْقَ الْوَارِثِ وَهِبَتَهُ لِمَالِ الْمَيِّتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكَافِي وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِالْمَالِ وَلَا بِالْبَدَلِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَلِكَ قَبُولُ الْحَوَالَةِ، فَإِنْ كَفَلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَجَزَ لَمْ تَلْزَمْهُ تِلْكَ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ اهـ وَأَفَادَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَزْوِيجُ عَبْدِهِ) وَلَوْ عَتَقَ عَبْدُهُ وَأَجَازَ التَّزْوِيجَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَاقَتْ عَقْدًا بَاطِلًا إذْ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبِ عَبْدَهُ بَاطِلٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ بَعْدَ عِتْقِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ بِهِ وَقَعَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِتْقِ أَجَزْت تِلْكَ الْوَكَالَةَ يَكُونُ هَذَا تَوْكِيلًا ابْتِدَاءً. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ وَنَقْصٌ لِمَالِيَّتِهِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ ذَا زَوْجَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَذَا فِي الْأَوْضَحِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>