للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجَّانًا بِمَوْتِهِ) أَيْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى بِغَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهَا وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِسَبَبِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ حُكْمِهِ عِتْقُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ مَجَّانًا وَتُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَمِلْكُهَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَئِنْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا بَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِلنَّظَرِ لَهَا وَالنَّظَرُ لَهَا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ لِيَتْبَعَهَا أَوْلَادُهَا فِي الْعِتْقِ وَتَسْلَمَ لَهَا أَكْسَابُهَا فَيُجْعَلَ كَأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْإِيفَاءِ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلِأَنَّ دُخُولَ أَوْلَادِهَا فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَيَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّ لِلتَّبَعِ حُكْمُ الْمَتْبُوعِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ أَنْ تَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْبَدَلِ عَنْهَا فَقَطْ وَتَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ نَظَرًا لَهَا وَلَوْ أَدَّتْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ لِبَقَائِهَا إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَبِالْأَدَاءِ تَتَقَرَّرُ وَلَا تَبْطُلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَعَى الْمُدَبَّرُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ فَقِيرًا) أَيْ لَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا كَاتَبَهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْخِيَارُ وَالْمِقْدَارُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمِقْدَارِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَفْيِ الْخِيَارِ أَمَّا الْكَلَامُ فِي الْخِيَارِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ التَّجَزِّي فَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّيًا بَقِيَ مَا وَرَاءَ الثُّلُثِ عَبْدًا وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ عِتْقِ الثُّلُثِ فَتَوَجَّهَ لِعِتْقِهِ جِهَتَانِ كِتَابَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَسِعَايَةٌ مُعَجَّلَةٌ فَيُخَيَّرُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

وَفِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ أَكْثَرِ الْمَالَيْنِ أَيْسَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ وَأَقَلُّهُمَا أَعْسَرَ أَدَاءً لِكَوْنِهِ حَالًّا فَكَانَ فِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَالِ مُتَّحِدًا وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهُ بِعِتْقِ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَصْلُ الدِّينِ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِهِ حَصَلَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِ التَّدْبِيرِ وَصِيَّةً وَعِتْقُ بَعْضِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ حَالًّا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ ثُلُثَا الْقِيمَةِ بِالتَّدْبِيرِ حَالًّا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّهُمَا مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ بِلَا خِيَارٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هَذَا، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَدَلَيْنِ حَالٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَحَدُهُمَا مُؤَجَّلٌ فَيُفِيدُ التَّخْيِيرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمِقْدَارِ فَعِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَادَفَتْ كُلَّهُ فَيَكُونُ الْبَدَلُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ، وَقَدْ عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ فَيَبْطُلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْبَدَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ كُلُّهُ بِالتَّدْبِيرِ بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا إذَا أَعْتَقَ ثُلُثَهُ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ ثُلُثُهُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى كُلَّ الْبَدَلِ فِي حَيَاتِهِ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَوْ كَانَ ثُلُثُهُ مُسْتَحَقًّا بِالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ لَمَا عَتَقَ كُلُّهُ بِالْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ وَتَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ قُوبِلَ بِمَا يَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ بِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ فَانْصَرَفَ كُلُّهُ إلَى مَا يَصِحُّ كَرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لَزِمَ الْأَلْفُ كُلُّهُ مُقَابِلًا بِمَا بَقِيَ وَهِيَ الطَّلْقَةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ ثُبُوتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِلْمُكَاتَبِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ وَالتَّدْبِيرُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَكَانَ الْبَدَلُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَهُ ضَرُورَةً.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَسْلَمْ شَيْءٌ مِنْهُ لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ رَقَبَتِهِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَلَيْنِ حَالٌ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ) أَرَادَ بِمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ قَوْلَهُ آنِفًا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَوْ أَلْفَيْنِ وَالشَّرْطُ يَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>