حُرٌّ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَظَهَرَ بِالْعَجْزِ وَبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لَكِنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَزِمَهُ كَمَالُ الْعُقْرِ وَأَيُّهُمَا دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّهُ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا هِيَ أُمُّ وَلَدِ الْأَوَّلِ تَكْمِيلًا لِلِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُفْسَخُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ عَلَى مَا مَرَّ وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَوَطِئَ الثَّانِي صَادَفَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَلَزِمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الضَّمَانِ الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ عِنْدَهُمَا صَارَتْ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً لِلْمُسْتَوْلِدِ بِنِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَلَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لَهُ بِكُلِّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ ضَرُورِيٌّ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ حُكْمُ التَّمَلُّكِ فَبَقِيَ الْكُلُّ لِلْأَوَّلِ كَمَا كَانَ.
وَالْمُكَاتَبَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِي الْعُقْرَ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا وَبِأَبْدَالِ مَنَافِعَهَا وَلَوْ عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تَرُدُّ إلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ بِهَا ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مُكَاتَبَةً مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ وَفِي نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ وَالْأَقَلُّ مُتَيَقِّنٌ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ دَبَّرَ الثَّانِي وَلَمْ يَطَأْهَا فَعَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ يَمْلِكُهَا قَبْلَ الْعَجْزِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ لِمَا مَرَّ، وَالْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ بِخِلَافِ ثُبُوتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ بِالْغُرُورِ وَلَا كَذَلِكَ التَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَدَبَّرَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا هُوَ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَبْطُلْ النَّسَبُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هُنَا (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ لِلْإِمْكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفُ عُقْرِهَا)؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ بِحِسَابِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ قَدْ صَحَّتْ عَلَى مَا مَرَّ وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَاهَا فَحَرَّرَهَا أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَعَجَزَتْ ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَيْهَا وَيَسْتَسْعِيهَا السَّاكِتُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَالْكِتَابَةُ لَا تَمْنَعُ الْعِتْقَ فَعَتَقَتْ كُلُّهَا لِلْحَالِ عِنْدَهُمَا وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ ثُمَّ السَّاكِتُ يَضْمَنُ الْمُعْتِقَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ فِعْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهَا ضَمَانُ مَا لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ فَجَازَ إعْتَاقُ نِصْفِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ الْفَسَادُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ زِيَادَةً عَلَى مَا أَوْجَبَتْهُ الْكِتَابَةُ فَلَا يَظْهَرُ مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ عِنْدَهُ يُؤَثِّرُ فِي جَعْلِ الْبَاقِي كَالْمُكَاتَبِ وَهِيَ كَانَتْ مُكَاتَبَةً قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ مُحَقَّقًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ إذَا بَقِيَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ عِنْدَهُمَا لَمَّا صَارَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْعَجْزِ تَبْقَى مُكَاتَبَةً وَلَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ بِنِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا انْفَسَخَتْ فِي نَصِيبِ الثَّانِي سَقَطَ نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَحَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ نِصْفِ الْبَدَلِ فَصَارَتْ مُكَاتَبَةً بِالنِّصْفِ فَصَارَ عِتْقُهَا مُعَلَّقًا بِأَدَاءِ النِّصْفِ وَالثَّانِي قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ انْفِسَاخَ الْكِتَابَةِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةَ تَكَامُلِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ أَعْنِي فِي حَقِّ سُقُوطِ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ الْأَوَّلُ كَمَا كَانَ، وَلِهَذَا جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَمَلُّكِ الْمُكَاتَبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَاتَّفَقَا عَلَى قِيَامِ الْكِتَابَةِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ يَعْنِي نِصْفَ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ حَتَّى صَارَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا لَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَتَاقِ أَتْلَفَهُ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً) لَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا مُقَدَّرًا قِيمَةُ الْمُكَاتَبَةِ اهـ اق (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بَطَلَ التَّدْبِيرُ) بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الثَّانِي لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا اسْتَوْلَدَهَا صَارَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَمُكَاتَبَةً لَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمَّا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي قَبْلَ عَجْزِهَا فِيهَا ظَاهِرُ الْمِلْكِ لَا حَقِيقَتُهُ وَظَاهِرُ الْمِلْكِ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute