للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَاجَةِ وَحَرُمَ عَلَى الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ وَكَذَا عَلَى الْهَاشِمِيِّ صِيَانَةً لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى الْأَخْذُ فَصَارَ كَابْنِ السَّبِيلِ وَصَلَ إلَى مَالِهِ أَوْ فَقِيرٍ اسْتَغْنَى وَفِي يَدِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ فَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ جَاهِلًا بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (فَعَجَزَ دَفَعَ أَوْ فَدَى) يَعْنِي الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ امْتَنَعَ الدَّفْعُ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ مَا جَنَى مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْقِيمَةِ، فَإِذَا عَجَزَ زَالَ الْمَانِعُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ جَنَى مُكَاتَبٌ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ فَعَجَزَ) يَعْنِي حُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ قِنًّا وَجِنَايَةُ الْقِنِّ يُخَيَّرُ فِيهِ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ الْكَسْبُ، أَلَا تَرَى أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ لِمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَضَى بِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ فَعَجَزَ فَهُوَ دَيْنٌ بِيعَ فِيهِ) أَيْ إنْ قَضَى بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ.

وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُبَاعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُوجَبَهُ الْقِيمَةَ وَلَا يَتَغَيَّرُ كَجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الدَّفْعُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَالْمَانِعُ هُنَا مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ انْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ الرِّضَا أَوْ بِالْمَوْتِ عَنْ الْوَفَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ حَتَّى إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ، وَكَذَا الْمَبِيعُ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا بِالْقَضَاءِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَهُ وَلِهَذَا يَبْقَى الْبَيْعُ إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ)؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالدَّيْنِ وَكَالْأَجَلِ فِيهِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَدَّى الْمَالُ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى نُجُومِهِ)؛ لِأَنَّ النُّجُومَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ وَهُوَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَطْلُوبُ حَيْثُ يَبْطُلُ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ خَرِبَتْ وَانْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى التَّرِكَةِ وَهِيَ عَيْنٌ، هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرُوهُ عَتَقَ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا بِالْإِرْثِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْإِنَاثِ مِنْهُمْ الْوَلَاءُ فِيهِ، وَلَوْ مَلَكُوهُ لَكَانَ لَهُمْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا يُجْعَلُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً اقْتِضَاءً أَوْ إقْرَارًا بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَعْتِقُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كُلِّهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُعْتِقُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُونَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يَعْتِقْ، وَقِيلَ يَعْتِقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَهُ بَعْضٌ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إبْرَاءٌ وَلَا إقْرَارٌ بِالِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْبَعْضِ أَوْ اسْتِيفَاءَهُ لَا يُوجِبُ عِتْقَهُ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَبْطُلُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا اقْتِضَاءً فَإِذَا بَطَلَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبْرَاءِ بَطَلَ الْمُقْتَضَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِهِ وَبُطْلَانُ الْمُقْتَضِي يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُقْتَضَى بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ) أَيْ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْبَيْعِ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>