لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ وَاسْمُهُ يُنْبِئُك عَنْهُ فَإِنَّ الْبَدَلَ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَائِتِ لَا لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِمِ فَإِذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ فِيهِ عَلَى الْكَمَالِ وَجَبَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ فِي الْمُبْدَلِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ، وَكَذَا لَفْظُ الْجُبْرَانِ يُنْبِئُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ الْفَائِتِ كَالْبَدَلِ، وَلَا يُقَالُ هَذَا بَدَلٌ عَمَّا فَاتَ، وَهُوَ الْيَدُ لَا الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ هُوَ الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ إذْ مِلْكُهُ قَائِمٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ وَلِهَذَا قُلْتُمْ لَوْ كَسَرَ قَلْبَ غَيْرِهِ فَقَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِقِيمَتِهِ، وَأَخَذَ الْقَلْبَ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ لَبَطَلَ لِكَوْنِهِ صَرْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْيَدِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فِي مِلْكِهِ لَكَانَ إجْحَافًا بِالْغَاصِبِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْبَدَلِ، وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِمُقَابَلَةِ عَيْنٍ فِي مِلْكِهِ مَعَ إمْكَانِ تَحْقِيقِ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا خَلَفٌ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْبَدَلِ وَالْجُبْرَانِ فَكَانَ ثُبُوتُ الْمُبَادَلَةِ ضَرُورِيًّا، وَمَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَكُونُ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْبُطْلَانِ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّقَابُضِ ثَبَتَ فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ مَقْصُودًا فَلَا يَتَعَدَّاهُ.
وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَنَقُولُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْمُدَبَّرُ وَظَهَرَ لَهُ كَسْبٌ كَانَ لِلْغَاصِبِ إلَّا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ الْمُدَبَّرُ يُعَادُ إلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ أَوْ نَقُولُ الْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَيُجْعَلُ الضَّمَانُ بَدَلًا عَنْ الْيَدِ الَّتِي فَاتَتْ بِفِعْلِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ عَنْ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ كَمَا فِي ضَمَانِ الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا، وَلَا يُقَالُ الْمُدَبَّرُ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَنْفَسِخُ التَّدْبِيرُ بِالْقَضَاءِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ قِنًّا بَعْدَ انْفِسَاخِهِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا تَلَا أَنَّ رِضَاهُ قَدْ وُجِدَ بِطَلَبِ الْقِيمَةِ مِنْهُ وَنَحْنُ لَا نَجْعَلُ الْغَصْبَ الْقَبِيحَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بَلْ الْغَصْبُ مُوجِبٌ لِرَدِّ الْعَيْنِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَلِرَدِّ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ، وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّبَبِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ لِلْغَاصِبِ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَا حُكْمًا ثَابِتًا بِالْغَصْبِ مَقْصُودًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَلَدُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ إذْ الْكَسْبُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ أَوْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ حَيْثُ يَمْلِكُ بِهِ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ فَيَسْتَنِدُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ)؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُنْكِرٌ وَالْمَالِكُ مُدَّعٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِي الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ، وَقَدْ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ثُمَّ قَالَ، وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ، وَقَدْ ضَمَّنَهُ بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبَيِّنَتِهِ أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ)؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَتَمَّ مِلْكُهُ بِرِضَاهُ حَيْثُ سَلَّمَ لَهُ مَا أَعَادَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ ضَمَّنَهُ بِيَمِينِ الْغَاصِبِ فَالْمَالِكُ يُمْضِي الضَّمَانَ أَوْ يَأْخُذُ الْمَغْصُوبَ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ) لِعَدَمِ تَمَامِ رِضَاهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ دُونَ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ لَا لِلرِّضَا بِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ الْمَغْصُوبُ، وَقِيمَتُهُ مِثْلُ مَا ضَمَّنَهُ أَوْ أَقَلُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ مَا إذَا ضَمَّنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ مَالِيَّةُ مِلْكِهِ بِكَمَالِهِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِفَوَاتِ الرِّضَا، وَقَدْ فَاتَ هُنَا حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يَدَّعِيهِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ مَالَهُ إلَّا بِثَمَنٍ يَخْتَارُهُ وَيَرْضَى بِهِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَ الْعَيْنِ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ حَتَّى يَأْخُذَ الْقِيمَةَ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِهِ بَلْ بِمَا فَاتَ مِنْ الْيَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَإِنْ حَرَّرَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ لَا) أَيْ لَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةً وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ الْمِلْكُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَصْلٌ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ الْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ) أَيْ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْغَاصِبُ بِالضَّمَانِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ بِدَانَقٍ. اهـ. عِمَادِيَّةٌ فِي آخِرِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute