السَّبَبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَمَّا أَثَّرَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ أَنْ يَرُدَّ مَا غَصَبَ، وَمَالِيَّتَهُ كَمَا غَصَبَهُ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَمَرِضَتْ عِنْدَهُ، وَهَزَلَتْ ثُمَّ تَعَافَتْ وَسَمِنَتْ حَتَّى عَادَتْ مِثْلَ مَا كَانَتْ فَرَدَّهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُطْلَقُ الْفَوَاتِ يُوجِبُ الضَّمَانَ لَضَمِنَ، وَكَذَا إذَا سَقَطَ سِنُّهَا أَوْ قَلَعَهُ الْغَاصِبُ فَنَبَتَ مَكَانَهُ أُخْرَى فَرَدَّهَا سَقَطَ ضَمَانُهَا عَنْهُ، وَقَوْلُهُمَا: كَيْفَ يُجْبَرُ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا بِجَبْرٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِبَارٌ لِمِلْكِهِ مُنْفَصِلًا بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّحِدًا كَمَا إذَا غَصَبَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ فَقَطَعَهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ بِالْقَطْعِ وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ نُقْصَانَهَا يُجْبَرُ بِوَلَدِهَا عِنْدَنَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ مَمْنُوعَةً فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ، وَفِي الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِقِيمَتِهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ قَدْرُ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ إذْ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا فَيَكُونُ مَوْتُهَا بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ مِنْ الْعَوَارِضِ، وَهِيَ تَرَادُفُ الْآلَامِ وَكِبَرُ الْوَلَدِ وَضِيقُ الْمَخْرَجِ فَلَمْ يَتَّحِدْ سَبَبُ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَالِكِ مَالِيَّةُ الْمَغْصُوبِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِبَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْخِصَاءُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَرَضُ بَعْضِ الْفَسَقَةِ وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ الْعَبْدَ الْخَصِيَّ، وَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ خَصِيًّا، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ خَصِيٍّ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ بَعْدَمَا خَصَاهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا زَادَ الْخِصَاءُ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُعْتَبَرَةً لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ كَمَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ هَكَذَا ذَكَرُوهُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالْخِصَاءِ مَعَ رَدِّهِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْغَاصِبَ إذَا خَصَاهُ وَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا فَاتَ بِالْخِصَاءِ مَعَ رَدِّ الْمَخْصِيِّ بَلْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَتَرَكَ الْمَخْصِيَّ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ فَكَانَ الْأَقْرَبُ هُنَا أَنْ يُمْنَعَ فَلَا يَلْزَمُنَا، وَلَا اتِّحَادَ فِي السَّبَبِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ الْقَطْعُ وَالْجَزُّ، وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ النُّمُوُّ، وَسَبَبَ النُّقْصَانِ التَّعْلِيمُ، وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ الْفِطْنَةُ مِنْ الْعَبْدِ وَفَهْمُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ زَنَى بِمَغْصُوبَةٍ فَرُدَّتْ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلَا تُضْمَنُ الْحُرَّةُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا تُضْمَنُ الْأَمَةُ أَيْضًا إلَّا نُقْصَانَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ مَعَ الْحَبَلِ، وَلَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ بِالْحَبَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ الْعَيْبِ ثُمَّ هَلَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ، وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ إلَّا النُّقْصَانَ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا، وَمَاتَتْ مِنْ تِلْكَ الْحُمَّى أَوْ زَنَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَجُلِدَتْ بَعْدَ الرَّدِّ عِنْدَ الْمَالِكِ، وَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانَ عَيْبِ الزِّنَا، وَكَذَا الْمَبِيعَةُ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، وَهِيَ حُبْلَى، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَبَلِ، وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ اتِّفَاقًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا، وَلَمْ يَنْعَقِدْ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا، وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ فَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ جِنَايَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَقُتِلَتْ بِهَا أَوْ دُفِعَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ حَتَّى نَقُولَ يَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ وَيَفْسُدُ بِهِ الرَّدُّ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهَا أَصْلًا فَافْتَرَقَا، وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ بَلْ ابْتِدَاءُ التَّسْلِيمِ كَمَا، وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ إنْ كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ السَّلِيمِ، وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَعِيبِ وَبِمَوْتِهَا بِالْوِلَادَةِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ، وَفِي الْغَصْبِ السَّلَامَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرَّدِّ فَمَا لَمْ يَرُدَّ مِثْلُ مَا أَخَذَهَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَافْتَرَقَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ كَالِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي فَصْلِ الْحُمَّى الْمَوْتُ يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْقُوَى، وَأَنَّهَا تَزُولُ بِتَرَادُفِ الْآلَامِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ حَاصِلًا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَدْرِ مَا كَانَ عِنْدَهُ دُونَ الزِّيَادَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنَافِعُ الْغَصْبِ وَخَمْرُ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرُهُ بِالْإِتْلَافِ) أَيْ لَا تُضْمَنُ مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْحَبَلِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَسَائِلِ، أَمَّا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ مَنَعَهَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا فَقَالَ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَلَّمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ، وَمَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فَقَالَ فِي الْغَصْبِ الْوَاجِبُ نَسْخُ فِعْلِهِ بِالرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُخِذَ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حَيْثُ هَلَكَتْ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَلَا جَرَمَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَفِي الشِّرَاءِ الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لَا الرَّدُّ، وَالتَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى التَّلَفِ أَمْ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّدِّ، وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَبِيعَ كَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَبِمَوْتِهَا فِي النِّفَاسِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ السَّلِيمِ) يُنَافِي قَوْلَهُمْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ السَّلَامَةُ وَلِهَذَا يَرْجِعُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا بِصُنْعِهِ. اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنَافِعُ الْغَصْبِ) قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ: الْمَنَافِعُ لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ سَوَاءٌ صَرَفَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ عَطَّلَهَا عَلَى الْمَالِكِ. صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا فَأَمْسَكَهُ شَهْرًا حَتَّى صَارَ غَاصِبًا لِلْمَنَافِعِ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ حَتَّى صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا عِنْدَنَا لَا تُضْمَنُ هَذِهِ الْمَنَافِعُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُضْمَنُ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute