للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا جَازَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَكَذَا لَوْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِالدَّرَاهِمِ فَأَقَرَّ بِالدَّنَانِيرِ كَانَ مُخْتَارًا غَيْرَ مُكْرَهٍ وَلَوْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا لَمَا صَارَ مُخْتَارًا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ فِي الثَّمَنِيَّةِ، وَكَلَامُنَا فِيهِ وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ فَبَانَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْأَخْلَاقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْغَبُ فِي مُعَاشَرَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْتَنَبُ مَخَافَةَ شَرِّهِ فَالتَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ غَيْرِهِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ.

وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ النِّصْفِ فَسَلَّمَ، ثُمَّ بَلَغَهُ شِرَاءُ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ سَلَّمَ النِّصْفَ وَكَانَ حَقُّهُ فِي أَخْذِ الْكُلِّ وَالْكُلُّ غَيْرُ النِّصْفِ فَلَا يَكُونُ إسْقَاطُهُ إسْقَاطًا لِلْكُلِّ وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ لِخَوْفِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَسْتَقِيمُ فِي الْجَارِ دُونَ الشَّرِيكِ، وَالْأَوَّلُ يَسْتَقِيمُ فِيهِمَا، وَفِي عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ شِرَاءُ النِّصْفِ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي أَبْعَاضِهِ كُلِّهَا وَلِأَنَّ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِي الْكُلِّ أَكْثَرُ عَادَةً مِنْ رَغَبَاتِهِمْ فِي الْأَشْقَاصِ لِخُلُوِّ الْكُلِّ عَنْ عَيْبِ التَّشْقِيصِ فَإِذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْغَبَ فِي التَّشْقِيصِ وَقِيلَ: لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ثَمَنِ الْجَمِيعِ وَقَدْ تَكُونُ حَاجَتُهُ إلَى النِّصْفِ لِيُتِمَّ بِهِ مَرَافِقَ مِلْكِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمِيعِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ مَالَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَحُمِلَ مَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ مِثْلَ ثَمَنِ الْكُلِّ أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ثَمَنَ النِّصْفِ مِثْلُ نِصْفِ ثَمَنِ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَهَا إلَّا ذِرَاعًا فِي جَانِبِ الشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ الْعَقَارَ إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ بِالْمَبِيعِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِالْتِزَاقِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ) لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٍ فِي السَّهْمَيْنِ وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ فِي السَّهْمِ الثَّانِي وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ الْأَوَّلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا وَالْبَاقِيَ بِالدِّرْهَمِ فَلَا يَرْغَبُ الْجَارُ فِي أَخْذِ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ جُزْءًا قَلِيلًا كَالْعُشْرِ مَثَلًا، أَوْ أَقَلَّ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَتَأَتَّى مِثْلُ هَذِهِ الْحِيلَةِ بِأَنْ يَبِيعَ قَدْرَ الذِّرَاعِ أَوْ أَقَلَّ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا، ثُمَّ يَشْتَرِي الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ قَدْرَ الذِّرَاعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ لَهُ فَأَيُّهُمَا خَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَ صَاحِبُهُ شَرْطَ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ خَافَا شَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يُجِيزَانِ مَعًا، وَإِنْ خَافَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أَجَازَ أَنْ لَا يُجِيزَ صَاحِبُهُ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ بِشَرْطِ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ ثَوْبًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ لَا بِالثَّوْبِ) لِأَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ عَمَّا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِعَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَعُمُّ الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ لِأَنَّهُ يَبْتَاعُ الْعَقَارَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطِيهِ بِهَا ثَوْبًا قِيمَتُهُ قَدْرُ قِيمَةِ الْعَقَارِ غَيْرَ أَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

جَوْهَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَفٍّ مِنْ الْفُلُوسِ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ اهـ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرِكَةِ أَوْ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهَا) لَفْظُ " مِنْهَا " لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَوَّلًا مِنْ الدَّارِ وَمِنْ الْكَرْمِ عُشْرَهَا مُشَاعًا بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ ثُمَّ يَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ حَتَّى إنَّ الشَّفِيعَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ إلَّا فِي عُشْرِهَا بِثَمَنِهِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ اشْتَرَى تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا كَانَ شَرِيكًا فِيهَا بِالْعُشْرِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْجَارِ أَوْ لِلْخَلِيطِ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى مِنْهُمَا وَلَا يُحْتَالُ بِهَا لِلشَّرِيكِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ شَرِيكًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ أَيْضًا بِقَلِيلِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلصَّغِيرِ فَإِنَّ بَيْعَ الْعُشْرِ مِنْهَا بِكَثِيرِ الثَّمَنِ جَائِزٌ وَبَيْعَ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ مَالِ الصَّغِيرِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ قَدْرِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ مَضَرَّةٌ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْعُشْرُ وَلَا يَجُوزُ فِي تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ فِي دَارِ الصَّغِيرِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ دَارِهِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، ثُمَّ يَبِيعَ بَقِيَّةَ الدَّارِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْجَارِ وَالْخَلِيطِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ شَرِيكًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْبَقِيَّةِ بِنِصْفِ ثَمَنِهَا. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَرْجِعُ إلَى تَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ، وَالْأُولَى إلَى الْإِبْطَالِ لِأَنَّ فِي الْأُولَى لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَ لِأَنَّ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ حَدِّ الشَّفِيعِ لَمْ يُبَعْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: قَدْرُ قِيمَةِ الْعَقَارِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِقَوْلِهِ: وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ وَيَنْقُدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَبِيعَ بِأَلْفٍ وَعَشَرَةٍ عَرَضًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَحَصَلَتْ الدَّارُ لِلْمُشْتَرِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي الْحَاصِلِ وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَالْأَفْضَلُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَ الْعَرَضِ دِينَارًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ حَتَّى إنَّ الدَّارَ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>