؛ لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهَا خَشْيَةَ الْفَوْتِ فَيَرْخُصُ الْأَجْرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ثُمَّ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَكِ وَنَفَقَةِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ وَكَبِنَاءِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَتَطْيِينِ السَّطْحِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَمَنْفَعَةُ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَهَذَا نَظِيرُ زَوَائِدِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ لَمَّا كَانَ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرَ كَانَتْ مُؤْنَةُ الْعَيْنِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ بِاعْتِبَارِ كُسُورٍ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَّا بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهِمَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِفْرَازِ وَاقِعٌ لَهُمَا جُمْلَةً بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ - وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ - وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يُرَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأُجْرَةُ مُقَابَلَةٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا بِالتَّمْيِيزِ، وَعَمَلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ يَتَفَاوَتُ وَلَوْ أَطْلَقْنَا الْجَوَابَ وَلَمْ نُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ لِلْقِسْمَةِ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَوْجَبْنَا فِي الْكُلِّ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ كَانَ الْعُذْرُ لَهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَمَالَ بَعْضُهُمْ إلَى الْأَوَّلِ فَأَوْجَبَ الْأَجْرَ عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ، وَإِلَّا فَعَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَفِي الْحَمْلِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ التَّمْيِيزِ، وَفِي الْغَسْلِ مُقَابَلٌ بِالتَّنْظِيفِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ وَبِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ فَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ وَفِي الْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِنَفْسِ الْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِالْمَكَانِ بِخِلَافِ التَّمْيِيزِ، وَالزَّوَائِدُ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْمِلْكِ فَتُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْقِسْمَةِ دُونَ الْآخَرِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْسَمُ الْعَقَارُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا يُقْسَمُ بِاعْتِرَافِهِمْ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْإِقْرَارُ دَلِيلُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَوْرُوثُ مَنْقُولًا أَوْ كَانَ الْعَقَارُ مُشْتَرًى وَهَذَا لِأَنَّهُمْ لَا مُنْكِرَ لَهُمْ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا تُفِيدُ الْبَيِّنَةُ بِلَا إنْكَارٍ لَكِنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ حَتَّى لَا يَعْتِقَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَلَا مُدَبَّرُوهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَوْتِهِ فِي حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِبَيِّنَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ؛ إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ مِنْهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِجَعْلِ أَحَدِهِمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ نَائِبٌ عَنْهُ، وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إذَا كَانَ فِي قَبُولِهَا فَائِدَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى مَيِّتٍ دَيْنًا فَأَقَرَّ الْوَارِثُ بِذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَيُزَاحِمَ الْغُرَمَاءَ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حَقِّهِ خَاصَّةً وَكَذَا الْجَوَابُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَارِثِ وَصِيٌّ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَفِي الْقِسْمَةِ حِفْظُهُ وَجَعْلُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ) التَّوَاكُلُ أَنْ يَكِلَ بَعْضُهُمْ الْأَمْرَ إلَى الْبَعْضِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ الْبَصْرِيُّ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ فَأُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَسْدَاسًا. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ كُسُورٍ فِيهِ) فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِأَنَّ فِي صُعُوبَةِ كُلٍّ خَفَاءً فَاعْتُبِرَ أَصْلُ التَّمْيِيزِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ كَمَا فِي السَّفَرِ لَمَّا كَانَ فِي الْمَشَقَّةِ خَفَاءٌ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ السَّفَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَنْصِبَاءِ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى عَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَخْ) وَتُقْضَى مِنْهَا الدُّيُونُ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يُسَلَّمْ كُلُّهُ لَهُ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَيِّتِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِمَنْ وَقَعَ فِي قَسْمِهِ فَإِذَا تَعَدَّى التَّصَرُّفُ إلَى الْمَيِّتِ بِقَطْعِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَوْرُوثِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ لِحِفْظِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا هَلَاكَ فِي الْعَقَارِ. اهـ. غَايَةٌ.
(فَرْعٌ) التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لَكِنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ فِي الشَّرْحِ اهـ.
(فَرْعٌ آخَرُ) الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ شَجَرَةً فَأَثْمَرَتْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ. اهـ. بَدَائِعُ فِي الْقِسْمَةِ. (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَارِثِ وَصِيٌّ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ يَدَّعِيهِ إنْسَانٌ يُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ وَيَكُونُ الْوَصِيُّ خَصْمًا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute