للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمِصْرِ فَتَحِلُّ بِالْعَقْرِ وَالصِّيَالِ كَالنُّدُودِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ ذَكَاتَهُ وَسَمَّى حَلَّ أَكْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ النَّعَمُ الْأَهْلِيُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِيهِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فَيُصَارُ إلَى الْبَدَلِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ نُدْرَتَهُ بَلْ هُوَ غَالِبٌ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّ بَقَرَةً لَوْ تَعَسَّرَتْ عَلَيْهَا الْوِلَادَةُ فَأَدْخَلَ صَاحِبُهَا يَدَهُ وَذَبَحَ الْوَلَدَ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ جَرَحَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَذْبَحِهِ يَحِلُّ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ لَا يَحِلُّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ نَحْرُ الْإِبِلِ وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ) وَإِنَّمَا كَانَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ لِمُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧] وَقَالَ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ وَلِأَنَّ النَّحْرَ أَيْسَرُ فِي الْإِبِلِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ أَيْسَرُ فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّنَّةُ مَا هُوَ الْأَيْسَرُ فِيهِ وَإِنْ نَحَرَ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَسْيِيلُ الدَّمِ وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَالنَّحْرُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ، وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَعْلَى الْعُنُقِ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَتَذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) أَيْ لَا يَصِيرُ الْجَنِينُ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ حَلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ، أَوْ الشَّاةَ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ كُلُوا إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: ١٤٢] قِيلَ: الْفَرْشُ الصِّغَارُ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْحَمُولَةُ الْكِبَارُ فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ لَنَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا حَتَّى يُفْصَلَ بِالْمِقْرَاضِ، وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَتَنَفَّسُ بِنَفَسِهَا وَكَذَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأُمِّ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا كَانَ جُزْءًا لَهَا فَيَكُونُ جَرْحُ الْأُمِّ ذَكَاةً لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي الصَّيْدِ

وَالْجَامِعُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي الِاثْنَيْنِ عَنْ ذَكَاتِهِمَا اخْتِيَارِيَّةً فَانْتَقَلَ إلَى مَا هُوَ فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجَرْحُ فِي الصَّيْدِ وَذَبْحِ الْأُمِّ فِي الْجَنِينِ فَصَارَ مِثْلَهُ بَلْ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ قَطْعًا وَالْغَالِبُ فِي الصَّيْدِ الْمَجْرُوحِ السَّلَامَةُ لَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ الْجَرْحُ فِي أَطْرَافِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَهُوَ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: حَلَّ أَكْلُهُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَحَكَى فِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَعِيرِ إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ فَجَعَلَ الصُّولَ بِمَنْزِلَةِ النَّدِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ) يَعْنِي أَنَّ لَهَا تَوَحُّشًا كَتَوَحُّشِ الْوَحْشِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: يَحِلُّ أَيْضًا) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا وَجْهُ الْكَرَاهَةِ فَلِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي أَلَمِهَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الذَّكَاةِ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ) أَيْ فِي الْحُلْقُومِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَمْ يَتَذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ وَلَوْ أَنَّ شَاةً ذُبِحَتْ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا وَلَدٌ مَيِّتٌ فَإِنَّ ذَكَاةَ الشَّاةِ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ الْجَنِينِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَبَقِيَ مِقْدَارَ مَا يُقْدَرُ عَلَى ذَبْحِهِ لَا آكُلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِقْدَارَ مَا يُذْبَحُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا قَالَ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ الْجَنِينُ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّاةَ أَوْ النَّاقَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ إذَا ذُبِحَتْ وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ أَوْ حَيٌّ إلَّا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَيَحِلُّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: «فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُفْصَلَ) أَيْ عَنْ أُمِّهِ بِقَطْعِ سُرَّتِهِ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ لَا تَكُونُ ذَكَاةٌ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ يَعْنِي: الْجَنِينُ إذَا ذُبِحَتْ أُمُّهُ لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ وَلِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَى ذَكَاتِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى ذَكَاتِهِ فَفِي الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الذَّبْحُ وَفِي الثَّانِي يُشْتَرَطُ الْجَرْحُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْجَنِينِ لَا ذَبْحٌ وَلَا جَرْحٌ فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ اهـ.

(فَرْعٌ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً حَامِلًا لَهُ إنْ تَقَارَبَتْ الْوِلَادَةُ يُكْرَهُ الذَّبْحُ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ مَا فِي بَطْنِهَا وَهَذَا التَّفْرِيعُ بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ عِنْدَهُ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>