للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»، وَأَمَّا إثْمُ الْمَارِّ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» وَتَكَلَّمُوا فِي الْمَوْضِع الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَسْتَتِرَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ». وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طُولُهَا ذِرَاعًا وَغِلَظُهَا غِلَظَ الْأُصْبُعِ لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ وَيَقْرُبُ مِنْ السُّتْرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» حِينَ سَأَلَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ أَبُو ذَرٍّ وَقُلْنَا أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ هَذَا الْحَدِيث وَحِينَ بَلَغَهَا قَالَتْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ قَرَنْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ فَإِذَا سَجَدَ خَنَسْت رِجْلَيَّ وَإِذَا قَامَ مَدَدْتهَا» وَحَدِيثُ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ كَمَا سَيَجِيءُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَ زُرْت النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى حِمَارٍ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَالْحِمَارُ يَرْبَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ». اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ، ثُمَّ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيَّ الْمُصَلِّي آثِمٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطَةِ يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَصَرَّحَ الْعِجْلِيّ بِتَحْرِيمِهِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَصْحَابُنَا نَصُّوا عَلَى كَرَاهِيَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ والمرغيناني. اهـ. (قَوْلُهُ «وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) أَيْ مَعَهُ شَيْطَانٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَأَحْمَدُ وَقِيلَ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَقِيلَ فِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَوْ الدَّوَابِّ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ») وَفِي مُسْنَدِ الدَّارَقُطْنِيّ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهِ) هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْجَامِعِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَالْحَدُّ هُوَ الْمَسْجِدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارِّ أُسْطُوَانَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَفِي الْكَافِي أَوْ رَجُلٌ قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ ظَهْرُهُ إلَى الْمُصَلِّي، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ الْمُرُورُ قِيلَ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقِيلَ بِخَمْسَةِ وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَقِيلَ بِقَدْرِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا يُكْرَهُ نَحْوُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَفِي السَّلَامِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ لَوْ صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ بَصَرُهُ عَلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا حَسَنٌ وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ شَيْخُ شَيْخِي مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ والتمرتاشي أَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَيُحَاذِي أَعْضَاؤُهُ أَعْضَاءَ الْمَارِّ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَمُرُّ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ. اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ سُجُودِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الدُّكَّانِ فَكَانَ مَوْضِعُ النِّيَّةِ دُونَ مَحَلِّ الْمُرُورِ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَعَ ذَلِكَ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرَ مَنْصُوصٍ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّتْرَةَ مِنْ مَحَاسِنِ الصَّلَاةِ، وَقَائِدَتُهَا قَبْضُ الْخَوَاطِرِ مِنْ الِانْتِشَارِ وَكَفُّ الْبَصَرِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ حَتَّى يَكُونَ الْمُصَلِّي مُجْتَمَعًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَمَحْضِ عُبُودِيَّتِهِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الصَّمْتِ وَتَرْكِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَةِ وَمَنْعِ الْعَدْوِ وَالْإِسْرَاعِ فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ وَفَضِيلَةُ الِاقْتِدَاءِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا فَوْقَ حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَتَقْلِيبِ أَوْرَاقِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ هَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ كَانَ فِعْلُهُ لِذَلِكَ فِي بَيْتِهِ. قُلْت قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَحَكَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي النَّافِلَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَرِيضَةِ وَذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَرْضِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ إنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ إمَّا فِي النَّافِلَةِ وَإِمَّا مَنْسُوخًا قَالَ وَرَوَى أَشْهَبُ؛ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَحُمِلَ عَلَى الضَّرُورَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ قَالَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أُمَامَةَ كَانَ عَلَيْهَا أَثِيَابٌ طَاهِرَةٌ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرَ مِنْهَا مَا يَحْدُثُ مِنْ الصِّبْيَانِ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ رَءُوفًا رَحِيمًا بِالْأَطْفَالِ حَتَّى إذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ خَفَّفَ فِي صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ خَلْفَهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِذَا فَعَلَتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدِهَا مِثْلَ هَذَا تَكُونُ مُسِيئَةً؛ لِأَنَّهَا شَغَلَتْ نَفْسَهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ صَلَاتِهَا وَفِيهِ تَرْكُ سُنَّةِ الِاعْتِمَادِ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِمَادُ سُنَّةً فِيهَا. اهـ. سَرُوجِيٌّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا فَأَرْضَعَتْهُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا»، ثُمَّ هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَلِبَيَانِهِ الشَّرْعَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُوجِبِ فَسَادِ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيُكْرَهُ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>