إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ إلَّا الْوَزْنَ، فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ كُلُّهُ مَضْمُونًا ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ مَا ضَمِنَ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ أَمَانَةٌ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمُشَاعِ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَذْهَبُ بِالدَّيْنِ ثُلُثُهُ أَمَانَةً وَثُلُثَاهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْبَاقِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ جَعَلَ ثُلُثَيْهِ بِالدَّيْنِ وَأَخَذَ ثُلُثَهُ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ عِشْرِينَ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ مَضْمُونًا وَأَمَانَةً، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قَدْرَ الدَّيْنِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ لِمَا بَيَّنَّا وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمَضْمُونَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ نَقَصَ بِالِانْكِسَارِ قَدْرَ الزَّائِدِ عَلَى الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ لَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُصْرَفُ إلَيْهِ عِنْدَهُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْفِكَاكِ
وَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَأَخَذَ الثُّلُثَ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ، فَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ قِيمَةِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمَا لِلْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ جَمِيعًا، وَبِالْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ وَالْمَضْمُونُ مِنْ الرَّهْنِ عَشَرَةٌ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمَّنَهُ بِحِصَّتِهِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ، إنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ أَوْ الْقِيمَةِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ بِتَخَيُّرٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ وَلَا وَفَاءَ بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْ الرَّهْنِ، وَهِيَ عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ هَالِكًا بِمَا فِيهِ
وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ عَشَرَةً مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ
نَفْيًا لِلضَّرَرِ
عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْقَلْبِ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَهَا عِبْرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ فِي الْوَزْنِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقِيمَةِ فَيَتَخَيَّرُ وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ الْقَلْبِ ثَمَانِيَةً وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِمَا عُرِفَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَكَذَا الْكَفَالَةُ، وَالِاسْتِيثَاقُ يُلَائِمُ الْعَقْدَ فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَبِلَ اُعْتُبِرَ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْمُلَاءَمَةُ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا فَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا جَازَ الْبَيْعُ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُهُ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ أَيْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَقَالَ زُفَرُ: يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالشَّرْطِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ قُلْنَا عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ كَالْوَاهِبِ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَفَوَاتُهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَسَلَامَةِ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ يَحْصُلُ بِقِيمَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ قَالَ لِلْبَائِعِ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ فَهُوَ رَهْنٌ) وَقَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ) أَيْ لِالْتِحَاقِ الِانْكِسَارِ بِالْهَلَاكِ عِنْدَهُ وَصَيْرُورَتِهِ مُسْتَوْفِيًا بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ) أَيْ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الْعَشَرَةِ الْمَضْمُونَةِ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالِانْكِسَارِ اهـ (قَوْلُهُ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَبِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا إلَخْ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الضَّرَرُ بِالرَّاهِنِ بِفَوْتِ بَقِيَّةِ وَزْنِ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ) تُنْظَرُ عِبَارَةُ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا) لِئَلَّا يَلْزَمَ الرِّبَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ) أَيْ بِثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ) لَعَلَّهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ فِي الْوَزْنِ إلَخْ) هَذَا الْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَتَحْرِيرٍ اهـ.
(قَوْلُهُ قُلْنَا عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَالَ) أَيْ الْمُشْتَرِي اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute