بِأَمْرِ الرَّاهِنِ، وَكَانَ رَهْنًا بِأَلْفٍ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ تِلْكَ الْمِائَةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ قَضَاءً لِحَقِّهِ، وَرَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ.
وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى فَكَذَا هُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَدُفِعَ بِهِ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ)، وَهُوَ الْأَلْفُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعَشْرِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَانْتَقَصَ بِالسِّعْرِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْهُونَ تَغَيَّرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَالْمَبِيعِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا وَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَاتِلَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ وَرَجَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامِ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
؛ وَلِأَنَّ جَعْلَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ» الْحَدِيثَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الْفَسْخُ، وَفِي الْغَصْبِ تَمْلِيكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَهُمَا مَشْرُوعَانِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَمْلِكُ الدَّفْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ، وَلَوْ فَدَاهُ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ.
لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَأَيَّهُمَا فَعَلَ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ هَلَكَ بِالدَّفْعِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَا بِالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا حَيْثُ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ ابْتِدَاءً بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ ابْتِدَاءً فَإِنْ فِدَاهُ فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ، فَإِنْ أَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ فَدَيْنُ نَفْسِهِ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دِينَهُ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى حَقِّ الْمَوْلَى.
لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى، وَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي مِلْكِ الْعَيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ وَدَيْنُ غَرِيمِ الْعَبْدِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اُسْتُحِقَّتْ بِمَعْنًى هُوَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ الْهَلَاكَ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْهُ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ ثُمَّ إنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ قَدْ حَلَّ أَخْذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ ثُمَّ يَأْخُذُهُ إذَا حَلَّ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الثَّمَنَ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ.
؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ إذَا أَدَّى الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ أَوْ ادْفَعَاهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ مَضْمُونٌ وَالْبَعْضُ أَمَانَةٌ وَالْفِدَاءُ فِي الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَالدَّفْعُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا لَهُ التَّخْلِيصُ بِالْفِدَاءِ؛ وَلِهَذَا يُطْلَبُ رِضَاهُ فِي الدَّفْعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْتَارَ الْفِدَاءَ، وَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي أَيَّهُمَا كَانَ أَمَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ؛ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفِدَاءِ الَّذِي يَخْتَارُهُ إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَوْ فَدَاهُ طَهُرَ) طَهُرَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمَحَلُّ)، وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ الْجِنَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ) فَلَوْ أَنَّهُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ لَرَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يَأْخُذُ صَاحِبُ) أَيْ الَّذِي اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْعَبْدِ إلَخْ) أَيْ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ اهـ قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَحَقَّ وَلِيِّ دَيْنِ الْعَبْدِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ) يَعْنِي إنْ كَانَ مَا أَخَذَهُ غَرِيمُ الْعَبْدِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ مِثْلَ مَا لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بَطَلَ قَدْرُ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا فَضَلَ) أَيْ وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ مِنْ دَيْنِهِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ اهـ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ) أَيْ الَّذِي اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ، وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ تَشَاحَّا) أَيْ فِي الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute