للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُفْسِدِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ وَيُسَاوِي عَشْرَةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الْقِيمَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، وَفِيهِمَا نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا مَرَّ فِي انْكِسَارِ الْقَلْبِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا

لِأَنَّ الْفَائِتَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ وَفَوَاتُ شَيْءٍ مِنْ الْوَصْفِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدْرِ سَقَطَ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِلَّا فَلَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشْرَةٌ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا، وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ) لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا جَنَى بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ الْحُكْمُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ.

لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمَفْسُوخُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَيَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقُولُ يَعُودُ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمئِذٍ دِرْهَمَيْنِ كَانَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ بِأَنْ تُقَوَّمَ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ ثُمَّ تُقَوَّمُ مَسْلُوخَةً، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا هُوَ قِيمَةُ الْجِلْدِ هَذَا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ الْجِلْدُ أَيْضًا بَعْضُهُ أَمَانَةٌ بِحِسَابِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَالُوا هَذَا إذَا دَبَغَهُ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ.

وَإِنْ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِهِ بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ ثُمَّ قِيلَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَدَّى الرَّاهِنُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ أَخَذَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَدَثَ الدَّيْنُ الثَّانِي وَصَارَ بِهِ مَحْبُوسًا حُكْمًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ حُكْمًا، فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَهُ حَقِيقَةً بِأَنْ رَهَنَ الرَّهْنَ بِدَيْنٍ آخَرَ غَيْرَ مَا كَانَ مَحْبُوسًا بِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالثَّانِي فَكَذَا هَذَا، وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ.

؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَالْمَبِيعِ بِأَلْفٍ إذَا بَاعَهُ ثَانِيًا مِنْهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ دُونَهُ وَالرَّهْنُ بِالثَّانِي هُنَا دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ حَبْسَ الْجِلْدِ بِالْمَالِيَّةِ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِالْجِلْدِ بِحُكْمِ الدِّبَاغِ وَتِلْكَ الْمَالِيَّةُ تَبَعٌ لِلْجِلْدِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَهُ وَالْوَصْفُ دَائِمًا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ، وَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنٌ بِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِتَبَعٍ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الدَّيْنُ، فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَيَثْبُتُ الثَّانِي أَيْضًا.

؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَدْ تَحَقَّقَ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّ رَدَّهُمَا مُمْكِنٌ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِمَا، وَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَجُعِلَ بِالدَّيْنِ ثُمَّ عَادَ يَعُودُ الدَّيْنُ وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعُودُ بَلْ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ مَلَكَهُ كَالْمَغْصُوبِ يَعُودُ بَعْدَ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ قُلْنَا إنَّ الرَّهْنَ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا يَقَعُ بِقَبْضِهِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا عَادَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فَبَقِيَ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِهِ الْعَيْنُ أَنَّ كَفَنَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ لِلرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ)؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَالرَّهْنُ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْجَانِيَةِ حَيْثُ لَا يَسْرِي حُكْمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْوَلَدِ وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْفَرِدُ الْمَالِكُ بِإِبْطَالِهِ بِالْفِدَاءِ وَبِخِلَافِ وَلَدِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْكَفِيلَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَوَلَدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ حَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَفِي الْكَفَالَةِ الْحَقُّ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَالْوَلَدُ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الذِّمَّةِ وَفِي الْغَصْبِ السَّبَبُ إثْبَاتُ يَدِ الْعَادِيَةِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمُحِقَّةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِيهِ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالتَّبَعِيَّةُ تَجْرِي فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ، وَفِي الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا الْمُسْتَحَقُّ لَهُ الْخِدْمَةُ، وَهِيَ مَنْفَعَةٌ وَالْوَلَدُ غَيْرُ صَالِحٍ لَهَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ، فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا وَبَعْدَهُ لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا أَيْضًا بَعْدَ أَنْ انْعَقَدَ غَيْرَ مُوجِبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْلِكُ مَجَّانًا) أَيْ إذَا هَلَكَ النَّمَاءُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلَ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا إذْ اللَّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ فُكَّ بِحِصَّتِهِ) أَيْ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ، وَبَقِيَ النَّمَاءُ يُفَكُّ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ الشَّارِحِ قُلْت الْقِيمَةُ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ بِازْدِيَادِ الْقَدْرِ وَنُقْصَانِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ)؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ تَأَكَّدَ عَقْدُ الرَّهْنِ، فَإِذَا عَادَتْ الْمَالِيَّةُ بِالدِّبَاغِ صَادَفَتْ عَقْدًا قَائِمًا فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ بِقِسْطِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ قَالُوا فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ دُبِغَ جِلْدُهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَعُودُ وَلَا نَصَّ فِيهِ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْحَاصِلُ هُنَا مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْكَافِي أَنَّ لِعُلَمَائِنَا فِيهِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَطَلَ أَصْلًا لِانْعِدَامِ مَحَلِّيَّةِ الرَّهْنِ بِهَلَاكِ الشَّاةِ ثُمَّ عَادَ حُكْمُ الرَّهْنِ بِقَدْرِ الْجِلْدِ؛ لِأَنَّهُ حَيِيَ هَذَا الْقَدْرَ وَلَوْ حَيِيَ كُلُّهُ يَعُودُ كُلُّ الرَّهْنِ فَإِذَا حَيِيَ بَعْضَهُ يَعُودُ بِقَدْرِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ فِي قَدْرِ الْجِلْدِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَحَلِّيَّةِ قَائِمٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَكَانَ فِي بَقَاءِ الرَّهْنِ فَائِدَةٌ فَيَتَوَقَّفُ فِيهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَعُودُ الْبَيْعُ) وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. كَافِي

<<  <  ج: ص:  >  >>