للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَارَةُ الْعَجْزِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] فَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا.

؛ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقَّ مَوْتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى مُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ حَتَّى يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِ الْعَبْدِ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ الطَّرَفَ أَهْوَنُ وَأَقَلُّ حُرْمَةً لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلنَّفْسِ، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ فِي النَّفْسِ، وَهِيَ أَعْظَمُ حُرْمَةً أَوْلَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ فَلَا يَمْتَنِعُ كَمَا فِي الْمُسْلَمِ وَالْمُسْتَأْمِنِ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ كَحَقِيقَةِ الْكُفْرِ، فَصَارَ كَالْمُسْتَأْمِنِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلَا يُعَارَضُ بِمَا تَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ مُقَابَلَةً مُقَيَّدَةً.

وَفِيمَا تَلَوْنَا مُقَابَلَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْحُرِّ لَا تُنَافِي مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ الْعُمُومُ عَلَى مُوَافَقَةِ حُكْمِهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ مَا بَقِيَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَابَلَ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى وَالذَّكَرَ بِالذَّكَرِ ثُمَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَكَذَا لَا يَمْنَعُ مُقَابَلَةُ الْعَبْدَ بِالْحُرِّ حَتَّى يُقْتَلُ بِهِ الْعَبْدُ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا بِالْعَكْسِ إذْ لَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَمُنِعَ الْعَكْسُ أَيْضًا وَفِي مُقَابَلَةِ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَتْ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ مُقَاتَلَةٌ، فَكَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَقَلَّ مِنْهُمْ عَدَدًا، وَكَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ أَشْرَفَ عِنْدَهُمْ فَتَوَاضَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بِمُقَابَلَةِ الْحُرِّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالْأُنْثَى مِنْهُمْ بِمُقَابَلَةِ الذَّكَرِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ وَبَيَانًا أَنَّ الْجِنْسَ يُقْتَلُ بِجِنْسِهِ عَلَى خِلَافِ مُوَاضَعَتِهِمْ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ جَمِيعًا، فَكَانَتْ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ.

وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ إذْ هِيَ بِالدِّينِ عِنْدَهُ وَبِالدَّارِ عِنْدَنَا، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى الزَّجْرِ وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي غَيْرِ الْعِصْمَةِ لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْقِصَاصُ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمِلْكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَكَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَوْ كَانَ مَالًا لَمَا قُتِلَ وَكَذَا عَجْزُهُ وَمَوْتُهُ وَبَقَاءُ أَثَرِ كُفْرِهِ حُكْمِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ الْعِصْمَةِ، وَلَا يُورِثُ شُبْهَةً، وَلَوْ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَفِي النَّفْسِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَبِالْمَفْلُوجِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ أَطْرَافِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ إلَّا فِي الْعِصْمَةِ فَأَظْهَرْنَا أَثَرَ الرِّقِّ فِيهَا دُونَ النَّفْسِ لِمَا أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ حَيْثُ النَّفْسُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ خُلِقَ مَعْصُومًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْتَلُ بِهِ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ «جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمٌ غَيْرُ الْقُرْآنِ قَالَ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْت وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ قَالَ: «انْطَلَقْت أَنَا وَالْأَشْتَرُ إلَى عَلِيٍّ فَقُلْنَا هَلْ عَهِدَ إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً قَالَ لَا إلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: ٢٠]؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النُّقْصَانَ وَالْكَافِرُ كَالْمَيِّتِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢] وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ، وَبَيْنَ الْحَيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ حَيْثُ يُقْتَلُ بِهِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ وَقْتَ الْقَتْلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً كَالْمِلْكِ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ هُوَ يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى لَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَبِالْمَفْلُوجِ) أَيْ وَالْبَصِيرُ بِالْأَعْمَى وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ وَالشَّرِيفُ بِالْخَامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ غَيْرِ ذِمِّيٍّ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ عَهْدٌ أَوْ مِيثَاقٌ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جُحَيْفَةَ) كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا هُوَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي بِخَطِّ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَاتِيتِيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ عَلَى وَفْقَ الصَّوَابِ الْأَتْقَانِيُّ وَأَبُو جُحَيْفَةَ هَذَا هُوَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْكُنَى وَذَكَرَهُ بِكُنْيَتِهِ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَقَدْ قَلَّدَ الْعَيْنِيُّ الشَّارِحَ فَقَالَ لَمَّا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جُحَيْفَةَ وَالصَّوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» اهـ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْقَيْسِيِّ الضُّبَعِيِّ اهـ إصَابَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُقْتَلُ بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>