للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَعَبْدَيْنِ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي الطَّرَفِ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَا بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَلَا بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلْأَنْفُسِ وَشُرِعَ الْقِصَاصُ فِيهَا لِلْإِلْحَاقِ بِالْأَنْفُسِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ وَمَا لَا فَلَا وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ كَالْأَمْوَالِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ طَرَفِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ بِتَقْوِيمِ الشَّارِعِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فِيهِمَا فَذَلِكَ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ، وَلَيْسَ بِيَقِينٍ فَصَارَ شُبْهَةً فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ بِخِلَافِ طَرَفِ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِهِ بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِيهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَرَفُ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ سِيَّانَ) أَيْ مِثْلَانِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِلتَّسَاوِي فِي الْأَرْشِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجْرِي لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَطْعُ يَدٍ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ وَجَائِفَةٌ بُرِئَ مِنْهَا وَلِسَانٌ وَذَكَرٌ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الْحَشَفَةَ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَيَتَعَذَّرُ التَّسَاوِي فِيهِ إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ، وَفِي الْجَائِفَةِ الْبُرْءُ نَادِرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْرَحَ الثَّانِي جَائِفَةً عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ إهْلَاكًا فَلَا يَجُوزُ، وَالذَّكَرُ وَاللِّسَانُ يَنْقَبِضَانِ وَيَنْبَسِطَانِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَالْمِفْصَلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَطَعَ مِنْ أَصْلِهِمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الذَّكَرِ أَوْ بَعْضَ اللِّسَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ كُلَّ الْأُذُنِ أَوْ بَعْضَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ وَلَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ، وَالشَّفَةُ إنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ بَيْنَ الْأَرْشِ وَالْقَوَدِ إنْ كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَ الْأَصَابِعِ أَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ) أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ وَيَدُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ؛ فَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ مُتَعَذِّرٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَامِلًا كَمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا لِإِنْسَانٍ فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا رَدِيئًا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَعْدِلَ إلَى الْقِيمَةِ ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ سَقَطَ فِي الزِّيَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ فَيَسْتَوْفِي مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ يُضَمِّنُهُ، وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ وَصْفٌ فَلَا يَضْمَنُ بِانْفِرَادِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَجَوَّزَ بِالرَّدِيءِ مَكَانَ الْجَيِّدِ، وَلَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ الْمَعِيبَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ.

لِأَنَّ حَقَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا وُجُودَ التَّفَاوُتِ فِي الْبَدَلِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ لَكِنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ مَنْعُ اسْتِيفَاءِ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ فَإِنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْطَعُونَ يَدَ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ فَالْجَوَابُ إنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ مَانِعًا مُطْلَقًا وَالشَّلَلُ لَيْسَ مِنْهُ فَيَعْتَبِرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا سُلِكَ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْمَنْفَعَةِ تَنْتَفِي بِهِ الْمُمَاثَلَةُ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ فَقُلْنَا تُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَلَا تُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ دُونَ الْبَدَلِ بِالْأَطْرَافِ اهـ أَكْمَلَ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ صَحِيحٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَطْعِ الصَّحِيحِ بِالْأَشَلِّ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ بِالْأُنْثَى فَهَلَّا أَجَزْتُمْ أَنْ تُقْطَعَ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ كَمَا يُقْطَعُ الْأَشَلُّ بِالصَّحِيحِ قِيلَ النَّقْصُ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ فَيَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكَامِلِ بِالنَّاقِصِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ كَالشَّلَلِ، وَنَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَيَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ كَالْيَسَارِ بِالْيَمِينِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَقْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ)، فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَى الْحُرِّ عِنْدَهُ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَفِي الْجَائِفَةِ الْبُرْءُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الْجَائِفَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْبَطْنِ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ إذَا بَرَأَتْ لَا يَكُونُ فِيهَا الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْجَائِفَةَ الْمُقْتَصُّ بِهَا نَادِرٌ بُرْؤُهَا إذْ الْهَلَاكُ فِيهَا غَالِبٌ، فَإِذَا أَفْضَتْ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى لِوُجُودِ الْبُرْءِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِصَاصِ بَلْ يَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَلَا تَكُونُ الْجَائِفَةُ إلَّا فِيمَا يَصِلُ إلَى الْبَطْنِ وَلَا تَكُونُ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا فِي الْحَلْقِ وَلَا فِي الْيَدَيْنِ وَلَا فِي الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الْأُنْثَيَيْنِ وَالدُّبُرِ فَهِيَ جَائِفَةٌ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) وَقَدْ قَالُوا جَمِيعًا لَوْ قُطِعَ بَعْضُ اللِّسَانِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مِفْصَلٌ يُوقَعُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَلَا تُعْلَمُ الْمُمَاثَلَةُ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَلَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ الْمَعِيبَةُ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَقْطَعَهَا رَجُلٌ ظُلْمًا أَوْ تَتْلَفُ بِآفَةٍ مِنْ السَّمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَطَلَ حَقُّهُ إلَخْ) وَلَا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا فِي الْيَدِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ هَذَا الْحَقِّ إلَى بَدَلِهِ فَإِذَا تَلِفَ لَمْ تَجُزْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ عَنْهُ مَعَ تَلَفِهِ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>