للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ، فَإِذَا سَقَطَ انْقَلَبَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ لِمَعْنًى فِي الْقَتْلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَةِ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ عَنْ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَإِ فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا فَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُتَعَيِّنَ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ شُرَكَائِهِ لِعَدَمِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمْ مَالًا وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ وَلَا فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَثْبُتُ حَقُّهُمَا فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْعَقْدُ، وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامُ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِهِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَاقِلَةَ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كُلًّا فَعَلَيَّ وَالْقِصَاصُ حَقُّهُ»، فَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ كَالْمَالِ «وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ»؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ حَتَّى إنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ فَثَبَتَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ الْإِرْثُ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَسِّمُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ وَالدِّيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِيهِ وَالْقِصَاصُ بَدَلُ النَّفْسِ كَالدِّيَةِ فَيُورَثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ فِيهِ وَصَايَاهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَاسْتِحْقَاقِهِ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَيْسَ بِالْعَقْدِ، بَلْ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّنَاصُرِ وَالْعَقْلِ عَدَمُ الْإِرْثِ لِلْقِصَاصِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالنِّسَاءَ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا يَعْقِلْنَ وَيَرِثْنَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَعْقِلُ عَنْهَا أَبْنَاؤُهَا الْكِبَارُ وَيَرِثُونَهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا حَظَّ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلَهُنَّ حَقُّ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ لِضَعْفِهَا وَلِهَذَا لَا تُقْتَلُ الْكَافِرَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَلَا تُوضَعُ عَلَيْهَا الْجِزْيَةُ الْوَاجِبَةُ مَكَانَ الْقَتْلِ فَصَارَتْ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ كَالصَّغِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ قُلْنَا إنَّهَا إنْ لَمْ تَقْدِرْ تُوَكِّلْ فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَلُ الْجَمِيعُ بِالْفَرْدِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْتَلَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ، وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا وَاحِدًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ، وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَلَزِمَ سَدُّ بَابِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَإِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ دَمًا بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا فَاسْتَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَرَى هَذَا قَدْ أَحْيَاهُ فَلَا يَمْلِكُ الْآخَرُ أَنْ يُمِيتَ مَا أَحْيَاهُ حَمَلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ أَحَدِ شَرِيكَيْ الدَّمِ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ مَالِكٌ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْتُلَهُ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَتْلِ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَضِيَّةُ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ قَضِيَّتَهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ تَصِيرُ مِيرَاثًا لِكُلِّ الْوَرَثَةِ عِنْدَنَا بِالسَّبَبِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ مَوْرُوثَةٌ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ فَيَنْقَسِمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كَالدِّيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ مَالٌ لِلْمَيِّتِ تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نَصِيبِهِ أَوْ يُصَالِحَ عَنْهُ وَيَبْطُلُ بِذَلِكَ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَى الْقَاتِلِ حَقُّ مَنْ لَمْ يَعْفُ عَنْ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ لِلْعَافِي مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَرَدَ عَلَى كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ «وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ الدِّيَةُ بَيْنَ مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ؛ وَلِأَنَّهَا مَالٌ لِلْمَيِّتِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ.

وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي دَمِ عَمْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَالَ زُفَرُ فِي سَنَتَيْنِ لَنَا أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ فَيَسْقُطُ فِي السِّنِينَ الثَّلَاثِ كَمَا لَزِمَ بَعْضَ الْعَاقِلَةِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ لَمْ تَلْزَمْ مِنْ أَجْزَاءِ دِيَةٍ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَةُ الْوَاجِبِ فَصَارَ كَمَا يَجِبُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ بِقَطْعِ الْيَدِ خَطَأً اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الضِّبَابِيُّ مَا نَصُّهُ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالضِّبَابُ بَطْنٌ مِنْ الْعَرَبِ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي جَمْهَرَةِ اللُّغَةِ وَأَشْيَمَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ قَتَلَهُ خَطَأً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْفَرْدِ) بِشَرْطِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْكُلِّ بِأَنْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا سَارِيًا. اهـ. خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ: تَمَالَأَ) أَصْلُهُ الْمُعَاوَنَةُ فِي مِلْءِ الدَّلْوِ، ثُمَّ عَمَّ فَقَالُوا تَمَالَئُوا أَيْ تَعَاوَنُوا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>