الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ سَقَطَ بِعَفْوِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ وَيُحَوَّلُ نَصِيبُهُ أَيْضًا مَالًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) أَيْ إنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ أَقَرَّا بِبُطْلَانِ حَقِّهِمَا فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَادَّعَيَا انْقِلَابَهُ مَالًا فَلَا يُصَدَّقُ دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ الْقَاتِلِ ضَمِنَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا بِدَعْوَاهُ الْعَفْوَ قُلْنَا ارْتَدَّ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلِلشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ الشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَيَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً، بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ بِجَعْلِ الْوَاجِبِ لِلشَّاهِدَيْنِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يَقْتَصُّ)؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا عُرِفَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ تَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُخْطِئًا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُطْلِقُوهُ، بَلْ يَقُولُونَ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا صَارَ بِالضَّرْبِ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْقَتْلُ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ)؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي مَكَان آخَرَ أَوْ زَمَانٍ آخَرَ، وَكَذَا الْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرِ الْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَلَمْ يُقْبَلْ؛ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطٌ لِلْقَبُولِ فَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَتَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمُ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمُلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يُقْبَلُ الْكَمَالُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ، وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ فَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَالْمُقَيَّدُ مَوْجُودٌ فَاخْتَلَفَا، وَكَذَا أَيْضًا حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ مَنْ قَالَ قَتَلَهُ بِعَصَا يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ عَلَى الْقَاتِلِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ فَبَطَلَتْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصَا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أُرِدْ بِمَاذَا قَتَلَهُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا فِعْلٌ وَالْآخَرَ قَوْلٌ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَا لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ) فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلِ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ إذَا جُهِلَتْ فَقَدْ جُهِلَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، فَيَكُونُ هَذَا غَفْلَةً مِنْ الشُّهُودِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُحْمَلٍ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا لَا نَدْرِي عَلَى الْغَفْلَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا سَعَيَا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُقُوبَاتِ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمَا وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَ الْكَذِبَ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى مَا. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ قَوْلُ) الَّذِي فِي نُسْخَةِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الزراتيني الْمُقَابَلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْآخَرُ قَوْلُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ إلَخْ، وَلَيْسَ فِيهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute