للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَلَمْ يُعْلَمْ تَسَاوِيهِمَا إلَّا بِالظَّنِّ فَصَارَ كَالْعَبْدِ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَ أَرْشُهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ بِخِلَافِ لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا يَبْقَى فِيهَا أَثَرُ الْحَلْقِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِالْحَلْقِ، بَلْ بِبَقَاءِ الشُّعَيْرَاتِ يَلْحَقُهُ ذَلِكَ، فَيَكُونُ نَظِيرَ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي قَطْعِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ يَبْقَى أَثَرُهُ فَيَشِينُهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْأَرْشُ، وَأَمَّا عَيْنُ الصَّبِيِّ وَذَكَرُهُ وَلِسَانُهُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ أَرْشُهَا كَامِلًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْجَمَالُ، وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكَلَامٍ، فَيَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْجَانِي وَإِنْ أَنْكَرَ وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، وَكَذَا إذَا قَالَ لَا أَعْرِفُ صِحَّتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً كَيْفَمَا كَانَ إلَّا إذَا عُرِفَتْ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَأَشْبَهَ الْأُذُنَ وَالْمَارِنَ قُلْنَا الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَحَاجَتُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَبَيْنَ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَيْفًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَهُوَ الْإِيلَاجُ وَالْإِنْزَالُ وَالْإِحْبَالُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ، فَإِذَا عَدِمَتْ لَا يَجِبُ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِلَا ضَوْءٍ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا بِدُونِهِ فَصَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَالنَّفْسِ فَيَدْخُلُ أَرْشُهَا كَمَا فِي النَّفْسِ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِفَوَاتِ كُلِّ الشَّعْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ كُلُّهَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِيهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لَا يَدْخُلُ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ وَإِلَّا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَعْضَاءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَا) أَيْ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِهَا لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي أَرْشِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِالْعَقْلِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَأَمَّا السَّمْعُ وَالْكَلَامُ فَلِأَنَّهُمَا مَبْطَنَانِ فَيَلْحَقَانِ بِالْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِمَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِ الْعَقْلِ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَيَتَعَدَّدُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ بِتَعَدُّدِهَا وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَعَدُّدِ أَثَرِ الْفِعْلِ لَا لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِالْأَعْضَاءِ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالنَّفْسِ أَوْ نَقُولُ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي مَعْنَى تَبْدِيلِ النَّفْسِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ يُشَارُ إلَيْهِ فَصَارَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ بَصَرُهُ أَوْ سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ أَوْ شَعْرُهُ فَلَمْ يَنْبُتْ أَوْ عَقْلُهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِ شَعْرِهِ وَعَقْلِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْمُوضِحَةِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ وَيَكُونُ فِي السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الْكَلَامِ أَيُّهَا ذَهَبَ بِالشَّجَّةِ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَالدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى رَوَى ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ، وَقَالَ فِي الْجَوَامِعِ تَدْخُلُ فِي السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَصَرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَرْشُ الشَّجَّةِ إلَّا فِي الشَّعْرِ خَاصَّةً، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الشَّجَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَعْرٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ) وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الرَّأْسِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ، وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِالشَّعْرِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَوْجَبْتُمْ بِالسَّمْعِ دِيَةً وَبِالْبَصَرِ دِيَةً وَبِالْكَلَامِ دِيَةً، وَلَوْ أَدَّتْ الشَّجَّةُ إلَى الْمَوْتِ لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَوْتُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ الْمَوْتُ فَوَاتُ الْجُمْلَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَبَعٌ لِلْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ التَّبَعُ فِي الْمَتْبُوعِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي غَيْرُ تَابِعٍ لِلْآخَرِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي أَرْشِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ إذْهَابُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ قِيلَ لَهُ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي وَتَصْدِيقِهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مَرَّ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>