للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا مَشْيُهُ وَثِقَلُهُ فِي نَفْسِهِ لَمَا هَوَى فِي الْبِئْرِ وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ التَّلَفِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ فَرَجَّحْنَا بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهُمَا تَعَمَّدَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى الْخَطَأِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاصْطِدَامِ عَمْدًا وَجَرْحِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْظُورٌ مُطْلَقًا فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَيْضًا، فَيَكُونُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ يُهْدَرُ الدَّمُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا وَفِدَاءً، وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خُلْفٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يَصِيرُ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا فِي الْخَطَأِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَيَبْطُلُ بِمَوْتِهِ إلَّا قَدْرَ مَا أَخْلَفَ وَهُوَ الْقِيمَةُ أَوْ نِصْفُهَا فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخُلْفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ، وَإِذَا تَجَاذَبَ رَجُلَانِ حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَسَقَطَا وَمَاتَا يُنْظَرُ فَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْقَفَا لَا تَجِبُ لَهُمَا دِيَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ وَجَبَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَفَا وَالْآخَرُ عَلَى الْوَجْهِ فَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَى الْقَفَا لَا دِيَةَ لَهُ وَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ وَإِنْ قَطَعَ إنْسَانٌ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ)، وَكَذَا عَلَى هَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِهِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ أَوْ الْإِحْكَامُ فِي الشَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ بِيَدِهِ بِخِلَافِ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ عَادَةً فَلَا يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ وَلِأَنَّ اللِّبَاسَ تَبَعٌ لِلَّابِسِ وَهُوَ لَوْ وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ وَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فَكَذَا إذَا عَثَرَ بِلِبَاسِهِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَادَ قِطَارًا فَوَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ)؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ وَالتَّسْبِيبُ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَعَلَيْهِمَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الضَّمَانُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّسْبِيبِ؛ لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدٌ لِلْكُلِّ، وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ هَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَمَّا إذَا تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامِ وَاحِدٍ يَضْمَنُ هُوَ وَحْدَهُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا هُوَ قُدَّامَهُ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ وَالسَّائِقُ يَسُوقُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) إلَّا أَنَّ الْعَمْدَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطَإِ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ إذْ هُوَ تَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ وَلِذَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُصْطَدِمَانِ حُرَّيْنِ، وَقَدْ تَعَمَّدَا ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا اصْطَدَمَ الْعَبْدَانِ خَطَأً فَمَاتَا هُدِرَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَلِهَذَا يُدْفَعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى، فَلَمَّا مَاتَ فَاتَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ بِلَا خُلْفٍ وَلَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ فَكَانَ كَالْخَطَأِ فَهُدِرَ الدَّمُ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفْ الْعَبْدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ يُقَالُ هُدِرَ دَمُهُ أَيْ بَطَلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ)؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَطَإِ مَاتَ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ وَفِي الْعَمْدِ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَسَقَطَ النِّصْفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ)، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا) فِي الِاخْتِيَارِ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْقَفَا فَانْظُرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ) أَيْ وَضَمِنَ الْحَبْلَ فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ إنْ وَقَعَا عَلَى وَجْهِهِمَا إذَا قُطِعَ الْحَبْلُ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَطْعِ الْحَبْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِطَارَ بِيَدِهِ يَسِيرُ بِسَوْقِهِ وَيَقِفُ بِإِيقَافِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ صِيَانَتُهُ فَمَا حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيُضَافُ إلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْ الْقِطَارِ لِتَسْبِيبِهِ فَيَصِيرُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا قَادَ أَعْمَى فَأَوْطَأَ الْأَعْمَى إنْسَانًا فَقَتَلَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَائِدِ الضَّمَانُ قِيلَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى بِنَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَفِعْلُهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ خَاصَّةً، وَأَمَّا فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ لَا عِبْرَةَ لَهُ فِي حُكْمِ نَفْسِهِ فَفِعْلُهَا يُنْسَبُ إلَى الْقَائِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ جَمِيعًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُ الْإِبِلَ غَيْرَ آخِذٍ بِزِمَامِ الْبَعِيرِ، أَمَّا إذَا أَخَذَ الزِّمَامَ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي هَلَكَ خَلْفَهُ لَا عَلَى الْقَائِدِ الْمُقَدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الزِّمَامُ عَنْ الْقِطَارِ لَمْ يَكُنْ الْقَائِدُ الْمُقَدَّمُ قَائِدًا لِمَا خَلْفَ السَّائِقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>