للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُرَادُ بِهِ النَّفَلُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» وَالْفَرْضُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِدَلِيلِ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» الْحَدِيثَ، فَتَعَيَّنَ النَّفَلُ مُرَادًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَجَازَ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَتْرُكَهُ أَصْلًا وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ احْتَبَى وَإِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَبِي لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي فِي آخِرِ عُمْرِهِ مُحْتَبِيًا» وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ قَائِمًا فَلِأَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِي النَّفْلِ فَجَازَ تَرْكُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهَ النَّذْرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالتَّحْرِيمَةِ صِيَانَةُ مَا مَضَى فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا يُصَحِّحُ التَّحْرِيمَةَ وَتَحْرِيمَةُ التَّطَوُّعِ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ إذْ هُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ فَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ كَمَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْعُدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ فِي الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي النَّذْرِ بِاسْمِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا وَفِي الشُّرُوعِ وَجَبَ بِالتَّحْرِيمَةِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ الْقِيَامَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ مُومِيًا إلَى أَيْ جِهَةِ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) أَيْ وَيَتَنَفَّلُ رَاكِبًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ فِي كُلِّ جِهَةٍ» لَكِنْ يَخْفِضُ السُّجُودَ مِنْ الرُّكُوعِ وَيُومِئُ إيمَاءً وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ) أَيْ إذْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ تُسَاوِي صَلَاةُ الْقَاعِدِ صَلَاةَ الْقَائِمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ») رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّشَهُّدِ إلَخْ) أَمَّا فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَيَقْعُدُ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ قَائِمًا حَيْثُ لَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ قِيَامٌ حَيْثُ جَوَّزْنَا اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُومِئِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ احْتَبَى وَإِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ إلَى آخِرِهِ وَوَجْهُ التَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَحَالَةِ التَّشَهُّدِ. اهـ. غَايَةٌ وَوَجْهُ مَنْ قَالَ يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْقِيَامُ سَقَطَتْ هَيْئَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ) دُونَ غَيْرِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ قَائِمًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ يَشْرَعَ قَائِمًا وَصَلَّى بَعْضَهَا، ثُمَّ كَمَّلَهَا قَاعِدًا اهـ ع وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَائِمًا وَأَتَمَّهُ قَاعِدًا بِعُذْرٍ جَازَ وَكَذَا بِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَهُ وَلَوْ تَوَكَّأَ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَهُوَ رَاكِبٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا وَفِي الْأَصْلِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى رَاكِبًا وَفِي الْأَصْلِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى رَاكِبًا لَمْ يُجْزِهِ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ النَّاذِرُ رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ إذْ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْكَامِلَةِ وَالصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ نَاقِصَةٌ وَهَذَا دَلِيلٌ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِأَجْلِ الْإِيمَاءِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ السَّمَاعِ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْهُ رَاكِبًا فَيَلْزَمُهُ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ سَبَبُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ أَيْضًا النَّذْرَ وَقَدْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ كَالتِّلَاوَةِ قُلْت النَّذْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَأَدَّاهُ فِيهَا لَا يُجْزِيه كَقَضَاءِ الْعَصْرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ مَنَعَ فِي النَّوَادِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى جَنْبِهِ قُلْت وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَلَا يَتَنَفَّلُ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ ذَكَرَهُمَا فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ وَلَوْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا، ثُمَّ قَامَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِمَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ» الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمُحَمَّدٌ وَإِنْ قَالَ إنَّ التَّحْرِيمَةَ الْمُنْعَقِدَةَ لِلْقُعُودِ لَا تَكُونُ مُنْعَقِدَةً لِلْقِيَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يُتِمُّهَا قَائِمًا لَمْ يُخَالِفْ فِي الْجَوَازِ هُنَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَازَ لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فَمَا انْعَقَدَتْ إلَّا لِلْمَقْدُورِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ إلَى آخِرِهِ) إذَا نَصَّ عَلَى صِفَةِ الْقِيَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنُصَّ فَهُوَ كَالنَّفْلِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْكُنُوزِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَظِرُونَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ) أَيْ فَيَنْزِلُونَ كُلَّهُمْ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>