للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا تُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا).

لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَالسَّنَةِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا إلَى أَنْ يَمْضِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهَا يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ تِلْكَ السَّنَةُ.

فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْمُوصِي بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ يُقَسَّمُ عَيْنُ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِإِمْكَانِ قِسْمَةِ عَيْنِ الدَّارِ أَجْزَاءً وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا، وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَعْدَلَ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ ظَاهِرًا بِأَنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَتَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ إذَا خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ ذَلِكَ فَيُمْنَعُونَ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِهِ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي) أَيْ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ يَعُودُ الْعَبْدُ أَوْ الدَّارُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْحَالِ مِلْكُ الْمُوصِي ثَابِتٌ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَلُّكُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَبَطَلَتْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ كَغَلَّةِ بُسْتَانِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ مَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا وَإِنْ قَالَ لَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي أَبَدًا كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مَا عَاشَ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْغَلَّةِ اسْتَحَقَّهُ دَائِمًا وَبِالثَّمَرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقَائِمَ إلَّا إذَا زَادَ أَبَدًا فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالْغَلَّةِ فَيَسْتَحِقُّهُ دَائِمًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ كَغَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَيْ إذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالصَّرِيحِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الثُّلُثِ) وَكَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا) فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُوصِي بِخِدْمَتِهِ وَكِسْوَتِهِ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِمَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُؤْنَةٌ فَتَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ وَقُلْنَا الْعَبْدُ لَا يَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ إلَّا بِالنَّفَقَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ كَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ وَيَنْتَفِعُ وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْخِدْمَةِ صَارَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فِي حَالِ الصِّغَرِ تَنْمُو الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُعَدًّا لِانْتِفَاعِ الْغَيْرِ كَالْأَمَةِ إذَا زَوَّجَهَا وَبَوَّأَهَا فَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى.

١ -

(فَرْعٌ) أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ فَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا بِالْخِدْمَةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا فَلَوْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ الدَّارِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ هَذَا الْفَصْلَ لَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا مَنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَسْكُنُ لَهُ وَلِأَجْلِهِ فَإِذَا سَكَنَ بِنَفْسِهِ جَازَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ فَلَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّةِ وَلَوْ سَكَنَ هُوَ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ السُّكْنَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَنْ يُؤَاجِرَهُمَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَتَمَلُّكِ الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَوْ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَلَكَ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعَيْنِ وَفِي الْعَيْنِ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ سَوَاءٌ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا تَمَلَّكَهَا وَلَنَا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا مِنْ الْغَيْرِ بِعِوَضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ فَكَذَا هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِمَا حَصَلَتْ وَهُوَ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ وَهُمَا غَيْرَانِ مُتَفَاوِتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمُوصِي دَيْنٌ أَمْكَنَهُمْ اسْتِرْدَادُ الْغَلَّةِ وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِرْدَادُ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا فَكَانَ هَذَا أَوْلَى. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>