للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى.

أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَجَبَ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ، وَالزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ بِالْوَلَدِ، وَالْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ فَاسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَلِلْجُمْهُورِ مَا رَوَيْنَا، وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ فِيمَا تَلَا إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِهَا النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ بِطَرِيقِ الْفَرْض، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا لَا تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ فَرْضًا، وَإِنَّمَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا الذَّكَرُ، وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ.

وَهُوَ قَوْلُهُ {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: ١٧٦] يَعْنِي أَخَاهَا يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ذَكَرٌ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأَخَ يَرِثُ تَعْصِيبًا مَعَ الْأُنْثَى مِنْ الْأَوْلَادِ أَوْ نَقُولُ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِ الْأَخِ جَمِيعَ مَالِهَا، وَذَلِكَ يَمْتَنِعُ بِالْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثُ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢].

الْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ الْأَبُ مَذْكُورُونَ فِي آيَةِ النِّصْفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُهُمْ، وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ، وَاطَلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ كَمَا إذَا قَالَ شَرِيكِي فُلَانٌ فِي هَذَا الْمَالِ أَوْ قَالَ لَهُ شَرِكَةً فِيهِ، وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ قُضِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنِّصْفِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَوَّى بَيْنَهُمَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اسْتِوَائِهِمَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُجِبْنَ بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَبِالْأَبِ وَالْجَدِّ) أَيْ الْأَخَوَاتُ كُلُّهُنَّ حُجِبْنَ بِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، وَكَذَا الْإِخْوَةُ يُحْجَبُونَ بِهِمْ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْكَلَالَةِ هَلْ هِيَ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلتَّرِكَةِ، وَقُرِئَ {يُورَثُ} [النساء: ١٢] بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَأَيَّامَا كَانَ يُشْتَرَطُ لِتَسْمِيَتِهِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ لِلْمَيِّتِ فَيَسْقُطُونَ بِهِمْ.

وَالْكَلَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْإِحَاطَةِ، وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ لِإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ، وَلَفْظَةُ كُلٍّ لِإِحَاطَتِهَا بِمَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْكَلَالَةُ مَنْ أَحَاطَ بِالشَّخْصِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَقِيلَ أَصْلُهَا مِنْ الْبُعْدِ يُقَالُ كَلَّتْ الرَّحِمُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ إذَا تَبَاعَدَتْ، وَيُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ كَلَّ عَنْهُ أَيْ تَرَكَهُ وَبَعُدَ عَنْهُ، وَغَيْرُ قَرَابَةِ الْوِلَادِ بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوِلَادِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ

وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ ... عَنْ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ

يُرِيدُ وَرِثْتُمْ مَجْدَكُمْ عَنْ أُصُولِكُمْ لَا عَنْ الْفُرُوعِ كَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَلَدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.

فَلَا تَكُونُ كَلَالَةً مَعَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبِنْتُ تَحْجُبُ وَلَدَ الْأُمِّ فَقَطْ) أَيْ بِنْتُ الْمَيِّتِ تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ وَحْدَهُمْ وَلَا تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ لِمَا أَنَّ شَرْطَ إرْثِهِمْ الْكَلَالَةُ، وَلَا كَلَالَةَ مَعَ الْوَلَدِ وَالْبِنْتُ وَلَدٌ فَتَحْجُبُهُمْ، وَكَذَا بِنْتُ الِابْنِ لِمَا أَنَّ وَلَدَ الِابْنِ وَلَدٌ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ لَا تَرِثَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ لِأَنَّ إرْثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ.

قُلْنَا الْكَلَالَةُ شُرِطَتْ فِي حَقِّهِمْ لِإِرْثِ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ لِإِرْثِ الْكُلِّ بِالْعُصُوبَةِ فَإِذَا انْتَفَتْ الْكَلَالَةُ انْتَفَى هَذَا الْإِرْثُ الْمَشْرُوطُ بِهَا لَا مُطْلَقُ الْإِرْثِ فَيَسْتَحِقُّونَ الْإِرْثَ بِالْعُصُوبَةِ مَعَ الْبِنْتِ بِنَصٍّ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ إرْثِ أَوْلَادِ الْأُمِّ فَإِنَّ جَمِيعَ إرْثِهِمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ فَيَنْتَفِي بِعَدَمِهَا فَصَارَ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَمْسُ أَحْوَالٍ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا وَالتَّعْصِيبُ بِأَخِيهِنَّ، وَمَعَ الْبَنَاتِ وَالسُّقُوطُ مَعَ الِابْنِ.

وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ سَبْعُ أَحْوَالٍ ذِي الْخَمْسَةُ وَالسُّدُسُ مَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالسُّقُوطُ بِالِاثْنَتَيْنِ مِنْ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَصَارَ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ السُّدُسُ لِلْوَاحِدِ وَالثُّلُثُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَالسُّقُوطُ بِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَصَبَةٌ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ذُو فَرْضٍ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَهُمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَبَرِ فَيَكُونُ خَبَرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَيْ مَنْ أَخَذَ الْكُلَّ إنْ انْفَرَدَ، وَالْبَاقِي مَعَ ذِي سَهْمٍ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْعَصَبَةِ أَيْ الْعَصَبَةُ مَنْ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ، وَمَا أَبْقَتْهُ الْفَرَائِضُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ لَهُ الْفَرْضُ الْمُقَدَّرُ، وَهَذَا رَسْمٌ، وَلَيْسَ بِحَدٍّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُعْرَفَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ الْعَصَبَةُ مِنْهُمْ فَيَكُونُ تَعْرِيفًا بِالْحُكْمِ، وَالْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُهُمْ) أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. اهـ. (قَوْلُهُ قُضِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنِّصْفِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَوْ بِشِرْكٍ فِي عَبْدٍ يُجْعَلُ لَهُ النِّصْفُ وَأَمَرَهُ بِالْبَيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: ١٧٦] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: ١٢]. اهـ. (قَوْلُهُ وَقُرِئَ يُورَثُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا) الَّذِي قَرَأَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ فَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ جَعَلَ الْكَلَالَةَ الْوَرَثَةَ وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ جَعَلَ الْكَلَالَةَ الْمَيِّتَ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>