للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ.

وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَوْ دَخَلَهَا نَقْصٌ بِالْعَوْلِ عَالَتْ عَلَى الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ مِنْ الزِّيَادَةِ لِلْكُلِّ لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، وَالْغُنْمُ بِالْغُرْمِ وَجْهٌ مَنْ مَنَعَ الرَّدّ مُطْلَقًا أَنَّ النَّصَّ قَدَّرَ فَرْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا، وَلَنَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] وَهُوَ االْمِيرَاثُ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَّا فِيمَا ثَبَتَ لَهُمَا بِالنَّصِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي هَذَا الِاسْمِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ قُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُقَدَّمُونَ فِي الْإِرْثِ فَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَتِي» الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَصْرَ الْمِيرَاثِ عَلَى ابْنَتِهِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ.

وَلَمْ يُقِرَّهُ عَلَى الْخَطَإِ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ فَمَاتَتْ أُمِّي، وَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَجَعَتْ إلَيْك فِي الْمِيرَاثِ» فَجَعَلَ الْجَارِيَةَ رَاجِعَةً إلَيْهَا بِحُكْمِ الْمِيرَاثِ، وَهَذَا هُوَ الرَّدُّ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ سَاوَوْا النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَتَرَجَّحُوا بِالْقَرَابَةِ فَيَتَرَجَّحُونَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَى بِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، وَلَا عَلَى أُخْتٍ لِأَبٍ مَعَ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ، وَلَا عَلَى إخْوَةٍ مِنْ أُمٍّ مَعَ الْأُمِّ.

وَلَا عَلَى جَدَّةٍ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ وَارِثٌ غَيْرَهَا، وَبِهِ أَخَذَ عَلْقَمَةُ لِأَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ الْفَرْضِ مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَة فَيُقَدَّمُ فِيهِ الْأَقْرَبُ، فَالْأَقْرَبُ وَمِيرَاثُ الْجَدَّةِ السُّدُسُ كَانَ طُعْمَةً فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّةَ وَارِثٌ غَيْرَهَا فَتَكُونَ هِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ قُلْنَا هَذَا الرُّجْحَانُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، وَلِهَذَا لَمْ يُحْجَبْ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ، وَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ النَّقْصِ بِالْعَوْلِ غَيْرَ أَنَّهُ أَثَّرَ فِي تَفْضِيلِ النَّصِيبِ عِنْدِ الِاجْتِمَاعِ فَيُفَضَّلُ فِي الْفَاضِلِ أَيْضًا، وَإِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ بِالْعَوْلِ مِمَّا يُوَافِقُ الدَّلِيلَ النَّافِيَ لِإِرْثِهِمَا.

لِأَنَّ إرْثَهُمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَأَخْذُ الزِّيَادَةِ مِمَّا يُخَالِفُ النَّافِيَ لِإِرْثِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُ النَّصِيبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقَارِبِ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الزِّيَادَةِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا أَصْلًا لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، فَأَثْبَتْنَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

، وَلِأَنَّ النُّصُوصَ الْمَذْكُورَةَ فِي تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تُثْبِتُهُ فَرْضًا، وَالْأَخْذُ بِطَرِيقِ الرَّدِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَة فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعَصَبَاتِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْفَرْضَ بِالنَّصِّ ثُمَّ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلَيْنِ، وَلَمْ نُثْبِتْهُ بِالرَّأْيِ بَلْ بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

ثُمَّ مَسَائِلُ الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَكُونُوا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ وُجُودِهِ فَلَا تَخْرُجُ مَسَائِلُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ رُءُوسِهِمْ كَبِنْتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ صَارَا كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ فَيُجْعَلُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَكَذَا الْجَدَّتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْمُرَادُ بِالْأُخْتَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبَوَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ سِهَامِهِمْ فَمِنْ اثْنَيْنِ لَوْ سُدُسَانِ، وَثَلَاثَةٍ لَوْ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ وَأَرْبَعَةٍ لَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ وَخَمْسَةٍ لَوْ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ أَوْ نِصْفٌ وَسُدُسَانِ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا بِأَنْ كَانَ جِنْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِهَامِهِمْ فَتُجْعَلُ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ اجْتَمَعَ سُدُسَانِ كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ إذَا اجْتَمَعَ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ أَوْ أُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ أُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ إذَا اجْتَمَعَ نِصْفٌ وَسُدُسٌ كَبِنْتٍ وَبَنَاتِ ابْنٍ، أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخَوَاتٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>