للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَمَا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ لَا يَجُوزُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَاءُ الصَّابُونِ إذَا كَانَ ثَخِينًا قَدْ غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ وَكَذَا مَاءُ الْأُشْنَانِ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ إذَا كَانَ الطِّينُ غَالِبًا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إذَا طُرُحَ الزَّاجُ فِي الْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَكَذَا الْعَفْصُ إذَا كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا، وَفِيهِ أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ بِلَوْنِ الْمَاءِ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ.

وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْغَلَبَةَ تُعْتَبَرُ أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الطَّعْمُ ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ وَالْبَاقِلَاءَ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَأَشَارَ الْقُدُورِيُّ إلَى أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ وَصْفَيْنِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَهَكَذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا تَرَى فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ وَتَوْفِيقٍ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَنَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ إذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ زَالَ وَصَارَ مُقَيَّدًا لَمْ يَجُزْ وَالتَّقْيِيدُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْمُمْتَزِجِ فَكَمَالُ الِامْتِزَاجِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالطَّبْخِ بَعْدَ خَلْطِهِ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ لَا تُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ الْمَاءَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِعِلَاجٍ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَمْ يَكْمُلْ امْتِزَاجُهُ فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ، وَغَلَبَةُ الْمُمْتَزِجِ تَكُونُ بِالِاخْتِلَاطِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَلَا بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ، ثُمَّ هَذَا الْمُخَالِطُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَمَا دَامَ يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالْمَاءُ هُوَ الْغَالِبُ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ كُلِّهَا مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي لَا تُخَالِفُ الْمَاءَ فِي الْوَصْفِ تُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِيهَا فَإِنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَ أَوْ أَكْثَرَهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي وَصْفَيْنِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِالطَّعْمِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا جَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ جَامِدًا، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عُمَرَ مِثْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ لِتَشْمِيسِهِ وَفِي الْغَايَةِ: وَكُرِهَ بِالْمُشَمَّسِ فِي قُطْرٍ حَارٍّ فِي أَوَانٍ مُنْطَبِعَةٍ وَاعْتِبَارُ الْقَصْدِ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ الطِّبِّيَّةِ كَانَ اعْتِبَارُ الْقَصْدِ وَعَدَمُهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ) قَالَ فِي الْمَنْبَعِ الْمُرَادُ بِغَلَبَةِ الْأَجْزَاءِ أَنْ يُخْرِجَهُ الطَّاهِرُ عَنْ صِفَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ يَثْخُنَ لَا أَنْ يَكُونَ الْغَلَبَةُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ فَإِنْ غَيَّرَ لَوْنَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ لَوْنَ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَذَلِكَ مِثْلُ اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالزَّعْفَرَانِ يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ وَأَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَهُ بَلْ طَعْمَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلطَّعْمِ فَإِنْ غَلَبَ طَعْمُهُ طَعْمَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا جَازَ مِثْلُ مَاءِ الْبِطِّيخِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالْأَنْبِذَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ فَإِنْ غَلَبَ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمَاءِ الْمُعْتَصَرِ مِنْ الثَّمَرِ، وَإِلَّا جَازَ كَالْمَاءِ الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْكَرْمِ بِقَطْعِهِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْقُدُورِيُّ) أَيْ حَيْثُ ذَكَرَ أَحَدَ الْأَوْصَافِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ لِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ. (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ رِطْلَيْنِ وَالْمُسْتَعْمَلُ رِطْلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَبِالْعَكْسِ كَالْمُقَيَّدِ. اهـ. عَيْنِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ) ذِكْرُ الْأَحَدِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ وَصْفَاهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِطَ بِهِ مُخَالِفٌ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ، وَبَقِيَ وَصْفٌ وَاحِدٌ لِلْمَاءِ وَصَارَ مَغْلُوبًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى تَغْيِيرِ الْوَصْفَيْنِ. اهـ. يَحْيَى.

قَالَ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ تُزَالُ بِهِ الْأَحْدَاثُ أَعْنِي مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَاءٌ، وَالْمُقَيَّدُ لَا يُزِيلُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي النَّصِّ وَالْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَهُ الزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِذَلِكَ أَوَّلًا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تَقَيَّدَ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا نَمْنَعُ مَعَ ذَلِكَ مَا دَامَ الْمُخَالِطُ مَغْلُوبًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ فِيهِ هَذَا مَاءٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ يُقَالُ فِي مَاءِ الْمَدِّ وَالنِّيلِ حَالَ غَلَبَةِ لَوْنِ الطِّينِ عَلَيْهِ، وَيَقَعُ الْأَوْرَاقُ فِي الْحِيَاضِ زَمَنَ الْخَرِيفِ فَيَمُرُّ الرَّفِيقَانِ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ هُنَا مَاءٌ يُقَالُ نَشْرَبُ نَتَوَضَّأُ فَيُطْلِقُهُ مَعَ تَغَيُّرِ أَوْصَافِهِ بِانْتِفَاعِهَا فَظَهَرَ لَنَا مِنْ اللِّسَانِ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَغْلُوبَ لَا يَسْلُبُ الْإِطْلَاقَ فَوَجَبَ تَرْتِيبُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ «اغْتَسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْمَاءُ بِذَلِكَ يَتَغَيَّرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ لِلْمَغْلُوبِيَّةِ اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ قِيلَ مِثْلُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ يَعْنِي مَاءَ الْبَاقِلَاءِ وَأَشْبَاهَهُ مَوْجُودٌ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ الْمِيَاهِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الْوَادِي وَمَاءُ الْعَيْنِ قُلْنَا إضَافَتُهُ إلَى الْوَادِي وَالْعَيْنِ إضَافَةُ تَعْرِيفٍ لَا تَقْيِيدٍ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَرَّفُ مَاهِيَّتُهُ بِدُونِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَتُفْهَمُ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا الْمَاءُ بِخِلَافِ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَأَشْبَاهِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَرَّفُ مَاهِيَّتُهُ بِدُونِ ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَلَا يَنْصَرِفُ الْوَهْمُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا صَحَّ نَفْيُ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ فَيُقَالُ فُلَانٌ: لَمْ يَشْرَبْ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ شَرِبَ الْبَاقِلَاءَ وَالْمَرَقَ وَلَوْ كَانَ مَاءً حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُسَمَّى أَبَدًا وَيُكَذَّبُ نَافِيهَا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَحْمُ الْإِبِلِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَلَحْمُ السَّمَكِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>