للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا) أَيْ إنْ تَعِبَ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ إنْ أَعْيَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ إلَّا إذَا عَجَزَ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَيَجُوزُ الِاتِّكَاءُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ؛ وَلِهَذَا إذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَّكِئًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ فَكَذَا لَا يُكْرَهُ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ الِاتِّكَاءَ يُكْرَهُ وَالْقُعُودَ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوعٌ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْإِتْكَاءُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ ابْتِدَاءً؛ وَلِهَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ التَّطَوُّعَ مُتَّكِئًا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ قَاعِدًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ دَوَرَانُ الرَّأْسِ، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ لَكِنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ وَالْمَرْبُوطُ عَلَى الشَّطِّ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا فَهُوَ كَالسَّائِرِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرُ فَهُوَ كَالْوَاقِفِ وَفِي الْإِيضَاحِ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْبُوطَةٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَضَى، وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقْضِي إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْبَنِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَخْ) مَعْنَاهُ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ اهـ مِنْ خَطّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ أَصْلُهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى أَوَّلِهَا كَمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاقْتِدَاءُ ثَمَّةَ جَازَ الْبِنَاءُ هُنَا وَمَا لَا فَلَا، وَفِي الْحَوَاشِي لَا يَلْزَمُ بِنَاءُ الرَّاكِبِ عَلَى الْإِيمَاءِ إذَا نَزَلَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ رَاكِعًا وَسَاجِدًا تَقْدِيرًا بِخِلَافِ الْمَرِيضِ الْمُومِئِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُمَا فَيَكُونُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَعْدُومَيْنِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ مُحَالٌ. اهـ. غَايَةٌ.

{فُرُوعٌ} مِنْ الدِّرَايَةِ عَبْدٌ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُوَضِّئَهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْمَرِيضَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَضِّئَهَا. مَرِيضٌ إنْ صَامَ فِي رَمَضَانَ صَلَّى قَاعِدًا وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا يُصَلِّي قَاعِدًا. مَرِيضٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُبْسَطُ تَحْتَهُ شَيْءٌ إلَّا وَيَتَنَجَّسُ مِنْ سَاعَتِهِ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَلَكِنْ يَزْدَادُ مَرَضُهُ وَيَلْحَقُهُ بِالتَّحْوِيلِ مَشَقَّةٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا)، وَفِي الصِّحَاحِ الْإِعْيَاءُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ يُقَالُ أَعْيَا الرَّجُلُ فِي الْمَشْيِ إذَا تَعِبَ وَأَعْيَاهُ اللَّهُ كِلَاهُمَا بِالْأَلِفِ وَالْمُرَادُ هُنَا اللَّازِمُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قِيَامٌ فِيهِ قُصُورٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إلَى آخِره)، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْخُرُوجَ إلَى الْجَمَاعَةِ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ قِيلَ لَا يَخْرُجُ مَخَافَةَ فَوْتِ الرُّكْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران: ١٩١] الْآيَةَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ أَيْ قِيَامًا أَيْ إنْ قَدَرُوا وَقُعُودًا إنْ عَجَزُوا عَنْهُ، وَعَلَى جَنُوبِهِمْ إنْ عَجَزُوا عَنْ الْقُعُودِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «صَلِّ قَائِمًا» الْحَدِيثَ. اهـ. دِرَايَةٌ، وَفِي الْغَايَةِ، وَلَوْ كَانَ يُطِيقُ الْقِيَامَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ وَلَا يُطِيقُهُ مَعَ الْإِمَامِ يُصَلِّي وَحْدَهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقِيلَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ بَعْدَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا لِعَجْزٍ عَنْ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ قَاعِدًا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ اهـ فَهَذَا مُشْكَلٌ عَلَى تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ) أَيْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي الصَّحِيحِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوعٌ ابْتِدَاءً) إذْ «صَلَاةُ الْقَاعِدَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِهِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) أَيْ وَيَدُورُ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ لِلتَّعَذُّرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ رَجُلٌ مِنْ السَّفِينَةِ بِإِمَامٍ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى إلَّا أَنْ تَكُونَا مَقْرُونَتَيْنِ مَرْبُوطَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى مَنْ عَلَى الْبَرِّ بِإِمَامٍ فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَجُزْ اقْتِدَاؤُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ طَائِفَةٌ مِنْ النَّهْرِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي فِيهَا أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ فِيهَا فَرْضٌ بِالنَّصِّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَهَذَا قَادِرٌ بِخِلَافِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا حَتَّى أَنَّ الرَّاكِبَ يَسِيرُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فَأَعْرَضَ عَنْ الْقِبْلَةِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ فِيهَا بِالْإِيمَاءِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَكْتُوبَةً أَوْ نَافِلَةً؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَ فِيهَا فَلَا يُعْذَرُ وَالْإِيمَاءُ شُرِعَ عِنْدَ الْعَجْزِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَرْبُوطُ عَلَى الشَّطِّ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جُنَّ إلَخْ قَضَى، وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>