للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٍ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: ٢٠] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] ذَمَّ السَّامِعِينَ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَوْلُهُ أَوْ مُؤْتَمًّا أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ مُؤْتَمًّا، وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةَ إمَامِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَإِنْ قَرَأَ سِرًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ الْقِرَاءَةِ وَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا، وَقَوْلُهُ لَا بِتِلَاوَتِهِ أَيْ لَا يَجِبُ بِتِلَاوَةِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِصَلَاةِ إمَامِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَيَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَلَا مَانِعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ أَوْ التِّلَاوَةِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، وَلَيْسَ هُوَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ تَحَمَّلَ عَنْ الْمُقْتَدِي فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فَلَا حُكْمَ لِقِرَاءَتِهِ كَسَهْوِهِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَا بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا فَتُعْتَبَرُ قِرَاءَتُهُمَا غَيْرَ أَنَّ الْحَائِضَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِقِرَاءَتِهَا، وَلَا بِسَمَاعِهَا فَإِنَّ السَّجْدَةَ رُكْنُ الصَّلَاةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لَهَا وَبِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا تِلَاوَةُ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَتَكُونُ صَلَاتِيَّةً ضَرُورَةً وَالصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ تَلَاهَا الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعُوهَا مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ مُسْتَنِدٌ إلَى التِّلَاوَةِ وَهِيَ خَارِجَ الصَّلَاةِ.

، وَلَوْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ لِلْحَجْرِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجِبُ وَتَتَأَدَّى فِيهِ

، وَلَوْ سَمِعَهَا مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِكُفْرٍ أَوْ لِصِغَرٍ أَوْ لِجُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ تَجِبُ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ بِقِرَاءَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَكَذَا لَا تَجِبُ بِقِرَاءَةِ النَّائِمِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ طُوطِيٍّ لَا تَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ السَّمَاعُ وَلَا يَسْجُدُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا أَعَادَهَا) أَيْ أَعَادَ السَّجْدَةَ لَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِيرُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ إلَى قَلْبِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ) أَيْ إنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ وَتَابَعَهُ الْإِمَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ التِّلَاوَةِ) أَيْ إنْ سَجَدَهَا الْإِمَامُ وَتَابَعَهُ التَّالِي الْمَأْمُومُ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ التِّلَاوَةِ أَنْ يَسْجُدَ التَّالِي وَيُتَابِعُهُ السَّامِعُ وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّالِي الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا» وَلِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ التَّالِي وَيُصَفُّ الْقَوْمُ خَلْفَهُ فَيَسْجُدُونَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ) فَخَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْقِرَاءَةِ حُكْمًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ. اهـ. كَافِي.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَا بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا) أَيْ حَتَّى لَا تَنْفُذَ قِرَاءَةُ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا؛ وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهُمَا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَثَرُ الْحَجْرِ عَدَمُ اعْتِبَارِ فِعْلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفِهِ وَأَثَرُ النَّهْيِ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَرْكُ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فَالْمَحْجُورُ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْفُذُ فِعْلُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ شَاءَ أَوْ أَبَى كَمَا لَوْ فَعَلَهُ هُوَ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ، وَالْمَأْمُومُ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةُ حَتَّى تُعَدَّ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَصَارَتْ قِرَاءَةً لَهُ كَتَصَرُّفِ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فَكَأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ قِرَاءَتُهُ فَكَانَتْ كَعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَإِنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ فَكَانَتْ مَمْنُوعَةً لَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا بِعَدَمِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي السِّرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْسِنُ قِرَاءَةَ الْمُؤْتَمِّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فَلَيْسَ عِنْدَهُ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَلْ مُجَوِّزًا لَهُ التَّرْكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ أَعْنِي اسْتِحْسَانَ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ.

وَالْحَقُّ عَنْهُ خِلَافُهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْوُجُوبِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا بِتِلَاوَتِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بِتِلَاوَتِهَا اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ بِسَمَاعِهَا مِنْ غَيْرِ حَائِضٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ السَّبَبِ لِلصَّلَاةِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهَا وَالسَّجْدَةُ جُزْءُ الصَّلَاةِ لَا بِقَيْدِ الْجُزْئِيَّةِ بَلْ نَظَرًا إلَى ذَاتِهَا اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً فَلَا فَرْقَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِسَبَبِهَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ بِسَبَبِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَلَا قَضَاؤُهَا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ بِالتِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ سُجُودٌ وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ مِنْهُمْ إذَا كَانَ أَهْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ فَلَا يَعْدُوهُمْ) إذْ عِلَّةُ الْحَجْرِ الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ وُجِدَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَتَثْبُتُ تِلْكَ الْعِلَّةُ، وَهُوَ الْحَجْرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ. اهـ. كَافِي.

(قَوْلُهُ وَلَوْ تَلَا) أَيْ مَنْ يَكُونُ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي حُكْمِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ السَّبَبَ سَمَاعُ تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ، وَصِحَّةُ التِّلَاوَةِ بِالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْمَنْبَعِ، وَفِي الْوَبَرِيِّ سَبَبُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ: التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَالِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَقْرَأْهَا، ثُمَّ التِّلَاوَةُ تُوجِبُ التِّلَاوَةَ عَلَى التَّالِي بِشَرْطَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا جُنُونًا مُمْتَدًّا أَوْ صَبِيًّا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ عَقِيبَ طُهْرٍ دُونَ الْعَشَرَةِ وَالْأَرْبَعِينَ لَمْ يَلْزَمْهُمْ وَالتَّالِي إذَا كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ سَكْرَانًا أَوْ مَجْنُونًا قَاصِرًا بِأَنْ كَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ بِأَقَلَّ لَزِمَتْهُ تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا وَالصَّبِيُّ يُؤْمَرُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَلَتْهَا الْمَرْأَةُ فِي صَلَاتِهَا فَحَاضَتْ قَبْلَ السُّجُودِ سَقَطَ وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ التَّالِي مُؤْتَمًّا. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>