للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُصَلِّي فَقَالُوا: يَوْمَ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ فَصَلَّى بِهِمْ وَذَكَّرَهُمْ وَسَمَّوْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مُصَلَّاهُ) أَيْ مُصَلَّى الْمِصْرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِصْرِ يَعْنِي شَرْطُ أَدَائِهَا الْمِصْرُ أَوْ مُصَلَّاهُ وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَقِّ حَوَائِجِ أَهْلِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِحَوَائِجِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ الْأَفْنِيَةِ فَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهَا بِمِيلٍ وَبَعْضُهُمْ بِمِيلَيْنِ وَقِيلَ بِفَرْسَخَيْنِ وَقِيلَ: بِغَلْوَةٍ وَقِيلَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْمُصَلَّى مَزَارِعُ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْجُمُعَةُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنًى مِصْرٌ لَا عَرَفَاتٌ) حَتَّى تَجُوزُ الْجُمُعَةُ فِي مِنًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَمِيرَ الْحِجَازِ أَوْ الْخَلِيفَةُ لَا أَمِيرَ الْمَوْسِمِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي أُمُورَ الْحَجِّ لَا غَيْرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرَى حَتَّى لَا يُعِيدَ بِهَا، وَلَهُمَا أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَعَدَمُ التَّعَيُّدِ لِلتَّخْفِيفِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْحَجِّ بِخِلَافِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهَا فَضَاءٌ وَبِمِنًى أَبْنِيَةٌ وَدُورٌ وَسِكَكٌ وَقَوْلُهُمْ تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ فِيهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مِصْرًا بَعْدَهَا وَقِيلَ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَّرَ الْفِنَاءَ بِفَرْسَخَيْنِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْسَخَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ فِي مَوَاضِعَ) أَيْ تُؤَدَّى الْجُمُعَةُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ حَرَجًا بَيِّنًا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فَإِنْ أُدِّيَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِينَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ «إنَّ الْأَنْصَارَ قَالُوا إنْ لِلْيَهُودِ يَوْمًا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَلِلنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلُمُّوا نَجْعَلُ لَنَا يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ فَنَذْكُرُ اللَّهَ وَنُصَلِّي فَقَالُوا: يَوْمَ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ: وَيَوْمَ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ فَسَمُّوهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ» اهـ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَيُسَمَّى يَوْمَ الْعَرُوبَةِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْإِعْرَابِ وَهُوَ التَّحْسِينُ لِتَزَيُّنِ النَّاسِ فِيهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: ٣٧] أَيْ مُتَحَسِّنَاتٍ لِبُعُولَتِهِنَّ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَقِيلَ بِغَلْوَةٍ إلَخْ) وَقِيلَ بِمُنْتَهَى حَدِّ الصَّوْتِ إذَا صَاحَ فِي الْمِصْرِ أَوْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ فَمُنْتَهَى صَوْتِهِ فِنَاءُ الْمِصْرِ اهـ ع قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا وَفِنَاءُ الْمِصْرِ مَا أُعِدَّ لِحَوَائِجِ الْمِصْرِ مِنْ رَكْضِ الْخَيْلِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَمِنًى مِصْرٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِمِنًى فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ فَصَارَتْ كَرَبْضِ الْمِصْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَوْضِعٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَامِعًا وَأَسْوَاقًا مُرَتَّبَةً وَسُلْطَانًا يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فَصَارَتْ كَسَائِرِ الْأَمْصَارِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا جُمُعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْحَاجِّ كَعَرَفَةَ اهـ قُلْت وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنًى مِصْرٌ اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي فَلَيْسَتْ عِنْدَهُ مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَدَمُ التَّعَيُّدِ) أَيْ عَدَمُ إقَامَتِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا فَضَاءٌ) أَيْ وَلَيْسَتْ مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ فَرَاسِخَ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ) أَيْ وَتَوَابِعِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَرَمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْسَخَيْنِ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَقُولُ تَبِعَهُ فِي هَذَا الْبَدْرُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَمِنًى مَوْضِعٌ عَنْ مَكَّةَ فَرْسَخٌ قَوْلُهُ الْعَيْنِيُّ أَيْ وَالْكَمَالُ أَيْضًا. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْرِ: وَلَا تَجُوزُ بِمَوْضِعَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ يَعْقُوبَ تَجُوزُ بِمَوْضِعَيْنِ مِنْهُ فَقَطْ، ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ كَبِيرٌ فَاصِلٌ وَجَوَّزَهَا مُحَمَّدٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي الْكَنْزِ وَزَادَ فِي الزَّيْلَعِيِّ كَثِيرَةً وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ أَتَى بِهَا مِنْ عِنْدِهِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الرِّوَايَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ قَالَ فِي مَوَاضِعَ أَرَادَ ثَلَاثَةً وَكُلُّ مَنْ قَالَ مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ أَرَادَ ثَلَاثَةً فَقَطْ بَيَانُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَوْضِعَيْنِ دُونَ ثَلَاثَةٍ إذَا كَانَ الْمِصْرُ لَهُ جَانِبَانِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَنْ النَّاسِ إذَا كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ الْمَسِيرُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ وَصَارَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ مِصْرًا لَهُ جَانِبَانِ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ فَيَصِيرُ فِي حُكْمِ مِصْرَيْنِ كَبَغْدَادَ وَبَيَانُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلَفْظُ الْكَرْخِيِّ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَوْضِعِ وَالْمَوْضِعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ بِأَكْثَرَ ثَلَاثَةٌ، وَقَطَعَ الْقُدُورِيُّ الِاحْتِمَالَاتِ فَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ اسْتِحْسَانًا وَلَا تَجُوزُ فِيمَا زَادَ لِلِاكْتِفَاءِ بِالصَّلَاةِ فِي طَرَفَيْ الْمِصْرِ وَوَسَطِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَالَ إنَّ الْمِصْرَ إذَا عَظُمَ وَبَعُدَ أَطْرَافُهُ شَقَّ عَلَى أَهْلِهِ الْمَسِيرُ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ آخَرَ فَجَوَّزَهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ اهـ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَجَازَهُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَأَطْلَقَ خِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي الصَّحِيحِ فَاخْتَارَ الطَّحْطَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ مُحَمَّدٍ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>