للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةٌ (سِوَى الْإِمَامِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ، وَهِيَ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقَلُّهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَحْرَارٌ مُقِيمُونَ لَا يَظْعَنُونَ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا وَفِي أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ جُمُعَةً وَأَضْحَى وَفِطْرًا» وَلِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَحْدِيدِ الْمِصْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ الثَّلَاثُ لِكَوْنِهِ جَمْعًا تَسْمِيَةً، وَمَعْنًى وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ، وَكَذَا الْإِمَامُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] يَقْتَضِي مُنَادِيًا وَذَاكِرًا وَالسَّاعِينَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اسْعَوْا جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ وَمَعَ الْمُنَادَى ثَلَاثَةٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ضَعَّفَهُ أَهْلُ النَّقْلِ حَتَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيَرُدُّهُ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: ١١] أَيْ قَائِمًا تَخْطُبُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا عُقِدَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ ثُمَّ نَفَرُوا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ السُّجُودِ لَا تَبْطُلُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْوَقْتِ وَالطَّهَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَقَدْ انْعَقَدَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْخُطْبَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ بَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ لِوُجُودِ الِانْعِقَادِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي رَكْعَةٍ وَلَهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ لَكِنَّ الِانْعِقَادَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَتِمُّ الشُّرُوعُ فِيهَا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ إذْ لَيْسَ لِمَا دُونَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَسْجُدْ وَلَا يَتِمُّ الِانْعِقَادُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ وَحْدَهُ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْرَعُ فِي الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ابْتِدَاءً بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ وَمَعَ هَذَا لَوْ نَفَرُوا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمُوا بَطَلَتْ، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الشُّرُوعِ كَافِيًا لَمَا بَطَلَتْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى وَالْأُمِّيِّينَ وَالْخُرَسَاءُ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ؛ وَلِهَذَا صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فِيهَا فَإِنَّ الْأُمِّيَّ وَالْأَخْرَسَ يَصْلُحُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ قَوْمًا مِثْلَهُ بَعْدَ مَا خَطَبَ غَيْرُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُحْرِمُوا حَتَّى قَرَأَ وَرَكَعَ فَأَحْرَمُوا بَعْدَ مَا رَكَعَ فَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَيَكْتَفِي بِالِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ بَانِيًا عَلَى صَلَاتِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) أَيْ مِنْ شَرْطِ أَدَائِهَا أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا حَتَّى لَوْ غَلَقَ بَابَ قَصْرِهِ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِ الدِّينِ فَتَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ، وَإِنْ فَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْإِقَامَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ وَهِيَ فِي غَيْرُ الْمُصَلَّى شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْأَوْصَافُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُصَلِّي وَقَدْ بَقِيَ لَهُ مِنْهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَإِنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ أَيْضًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ)؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لِأَجْلِهِ تَخْفِيفًا فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ وَاَلَّذِي لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُخْتَفِي مِنْ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ كَالْمُقْعَدِ وَالْمَفْلُوجِ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْأَعْمَى، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِعَلَاءٍ الْحَامِيِّ مَعَهُ صَفٌّ وَاحِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَبَاقِيهِ خَالٍ فَقَامَ رَجُلٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَزِيقَ الْبَابِ وَاصْطَفَّ النَّاسُ عِنْدَهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ وَاحِدٌ فَاَلَّذِي عِنْدَ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ عِنْدَ الْبَابِ حُكْمًا وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ بَكْرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أُصُولِهِ ظَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اثْنَانِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدَّرَهُ بِالْوَصَايَا وَالْمَوَارِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ تَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ قَالَتْ خَالَعَنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ، وَفِي يَدِهَا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ يَلْزَمُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً وَلَا يَشْتَرِي عَبِيدًا أَوْ لَا يُكَلِّمُ رِجَالًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالثَّلَاثَةِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَلَى أَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الْإِمَامَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمَا كَالثَّلَاثَةِ. اهـ. شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ وَمَعَ الْمُنَادِي ثَلَاثَةٌ)، وَكَذَا مَعَ الذَّاكِرِ يَصِيرُونَ أَرْبَعَةً. اهـ. .

(قَوْلُهُ فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ إلَخْ)، وَلَوْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ وَخَلْفَهُ قَوْمٌ فَلَمْ يَفْتَتِحُوا، وَنَفَرُوا وَبَقِيَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ جَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ فَوَقَفُوا خَلْفَ الْإِمَامِ، ثُمَّ نَفَرَ الْأَوَّلُونَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. بَدَائِعُ.

(قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) وَهِيَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا شَرْطًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ النِّدَاءَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] وَالنِّدَاءُ لِلْإِشْهَارِ، وَكَذَا تُسَمَّى جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْجَمَاعَاتُ كُلُّهَا مَأْذُونِينَ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ. اهـ. بَدَائِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>