للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ)؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالْمَسْبُوقُ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَقَفَ حَتَّى تُتِمَّ هَذِهِ الطَّائِفَةُ صَلَاتَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ وَيَذْهَبُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَإِذَا قَامُوا لِقَضَاءِ مَا سُبِقُوا انْتَظَرَهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ لِحَدِيثِ سَهْلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ»، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْأُصُولِ، وَمَا رَوَاهُ يُخَالِفُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ انْتِظَارَ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُمْ صَفَّيْنِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ فَيُحْرِمُونَ كُلُّهُمْ مَعَهُ وَيَرْكَعُونَ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَالصَّفُّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا مَعَهُ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وقَوْله تَعَالَى {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: ١٠٢] وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: ١٠٢] وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٢] الْآيَةَ، شَرَطَ لِإِقَامَتِهَا أَنْ يَكُونَ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَهُمْ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِي، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَهُ، وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّاهَا عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ وَصَلَّاهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا وَجَوَازُهَا خَلْفَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَتَرْكُ الْمَشْيِ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ ارْتِكَابُ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَلِهَذَا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا، كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَيُصَلِّيَ هُوَ بِطَائِفَةٍ وَيَأْمُرَ مَنْ يُصَلِّي بِالْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً)؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ شَطْرٌ فِي الْمَغْرِبِ، وَلِهَذَا شُرِعَ الْقُعُودُ عَقِيبَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَتْ الطَّائِفَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ) أَيْ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ إنَّهُمْ لَا يَنْصَرِفُونَ رُكْبَانًا حَتَّى إذَا رَكِبُوا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ مِنْهُ بُدٌّ فَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا، وَالْمَشْيُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَكُونُ عَفْوًا. انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا صَفَّيْنِ فَيَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ بِهِمْ جَمِيعًا وَكُلُّهُمْ مُسْتَعِدُّونَ بِالسِّلَاحِ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا جَمِيعًا، وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَالصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَالْأَوَّلُ يَحْرُسُونَهُمْ ثُمَّ سَجَدَ الْإِمَامُ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَالْآخَرُ يَحْرُسُونَهُمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ صَلَّوْا هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا تَجُوزُ لَهُمْ الصَّلَاةُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هَكَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ} [النساء: ١٠٢] إلَى آخِرِهِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ بِقَوْلِهِ {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: ١٠٢] وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النساء: ١٠٢]، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمْ كُلُّهُمْ لَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ. انْتَهَى مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا إلَى آخِرِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةَ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَإِنْ قَالَ قَدْ وُجِدَ التَّخْصِيصُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ كَوْنَ الرَّسُولِ فِيهِمْ فَقَالَ {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: ١٠٢] قُلْنَا الشَّرْطُ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ، وَلَا يَقْتَضِي الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا كُنْت أَنْتَ فِيهِمْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَك فِي الْإِمَامَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: ١٠٣]. انْتَهَى مُصَفَّى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ) أَيْ تَشَهَّدَ بِهِمْ وَيَنْصَرِفُونَ ثُمَّ يُصَلِّي بِالثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ، وَلَا يُسَلِّمُونَ مَعَهُ بَلْ يَرُوحُونَ مَقَامَهُمْ فَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَتَشَهَّدُوا فِيمَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا أَدْرَكَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَآخِرُهَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ وَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالْأُولَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً وَيَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، وَهَذِهِ ثَانِيَتُهُ فَالْقَعْدَةُ فِي الثَّانِيَةِ سُنَّةٌ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُقْضَى أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَهَذَا التَّشَهُّدُ فَرْضٌ عَلَيْهِ. انْتَهَى طَحَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّشَهُّدُ أَيْ الْقُعُودُ

<<  <  ج: ص:  >  >>