الْمَقْصُودَ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ تَحْصُلُ بِهِ وَالسَّخِينُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَغُسِلَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَسَخِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ هَذَا إذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُضْجِعَ عَلَى يَسَارِهِ فَيُغْسَلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ مِنْهُ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ)؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ يُبْدَأُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَشَيْءٍ مِنْ الْكَافُورِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ أُجْلِسَ مُسْنَدًا إلَيْهِ، وَمُسِحَ بَطْنُهُ رَفِيقًا) لِيَسِيلَ مَا بَقِيَ فِي الْمَخْرَجِ، وَلَا تَبْتَلُّ أَكْفَانُهُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا خَرَجَ مِنْهُ غَسَلَهُ) تَنْظِيفًا لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إنْجَائِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْجِيهِ مِثْلَ مَا كَانَ يَسْتَنْجِي فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَلَا يَمَسَّ عَوْرَتَهُ؛ لِأَنَّ مَسَّ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ، وَلَكِنْ يَلُفُّ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ فَيَغْسِلُ حَتَّى يَطْهُرَ الْمَوْضِعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُنَجَّى؛ لِأَنَّ الْمُسْكَةَ قَدْ زَالَتْ فَلَوْ نُجِّيَ رُبَّمَا يَزْدَادُ الِاسْتِرْخَاءُ فَتَخْرُجُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى فَيُكْتَفَى بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَمْ يُعَدْ غُسْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ نَصًّا، وَقَدْ حَصَلَ، وَلَا وُضُوءُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَادُ وُضُوءُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ، وَلَنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدَثًا فَالْمَوْتُ فَوْقَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِكَوْنِهِ يَنْفِي التَّمْيِيزَ فَوْقَ الْإِغْمَاءِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْمَوْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُشِّفَ بِثَوْبٍ) كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجُعِلَ الْحَنُوطُ)، وَهُوَ الطِّيبُ (عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ بِذَلِكَ وَاسْتَعْمَلَهُ أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ، وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) يَعْنِي جَبْهَتَهُ، وَأَنْفَهُ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْقُطْنُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَنْ تُحْشَى بِهِ مَخَارِقُهُ كَالدُّبُرِ وَالْقُبُلِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْفَمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَلِحْيَتُهُ، وَلَا يُقَصُّ ظُفُرُهُ وَشَعْرُهُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلزِّينَةِ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهَا، وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَلِكَ فَقَالَتْ عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ، وَقَوْلُهُ وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ شَعْرِ جَسَدِهِ أَوْ يُقَالُ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ: وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ رَأْسِهِ، وَلَا شَعْرُ لِحْيَتِهِ فَعَلَى هَذَا يُفِيدُ فَائِدَةً جَدِيدَةً.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكَفَنُهُ سُنَّةً) أَيْ كَفَنُ الرَّجُلِ لِلسُّنَّةِ (إزَارٌ، وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ) فَالْقَمِيصُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْقَدَمَيْنِ، وَهُوَ بِلَا دَخَارِيصَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي قَمِيصِ الْحَيِّ لِيَتَّسِعَ أَسْفَلُهُ لِلْمَشْيِ وَلَا جَيْبٍ، وَلَا كُمَّيْنِ، وَلَا تُكَفُّ أَطْرَافُهُ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي قَمِيصِهِ قُطِعَ جَيْبُهُ وَكُمَّيْهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللِّفَافَةِ وَالْإِزَارِ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ، وَلَا قَمِيصٌ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ فَكُفِّنَ فِيهِ»، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي قَمِيصِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ، وَالْحُلَّةُ ثَوْبَانِ وَالْعَمَلُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رَوَاهُ فِعْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُعَارِضُ فِعْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ أَنَّ مَا رَوَاهُ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ وَالْحَالُ أَكْشَفُ عَلَى الرِّجَالِ لِحُضُورِهِمْ دُونَ النِّسَاءِ لِبُعْدِهِنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكِفَايَةً) أَيْ، وَكَفَنُهُ كِفَايَةً (إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ»؛ وَلِأَنَّهُ أَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ حَالَ حَيَاتِهِ عَادَةً فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَقِيلَ قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ.
وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَرُورَةٌ مَا يُوجَدُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى دُونِ مَا ذَكَرْنَا كَمَا رُوِيَ «أَنَّ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةٌ فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ تَبْدُو رِجْلَاهُ، وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِذْخِرِ»، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ بِالْخِطْمِيِّ) هُوَ مُشَدَّدُ الْيَاءِ غِسْلٌ مَعْرُوفٌ وَكَسْرُ الْخَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْفَتْحِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ، وَلَا يُكَبُّ الْمَيِّتُ عَلَى وَجْهِهِ لِيُغْسَلَ ظَهْرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُسْنَدًا) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْغَاسِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَبِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُوجِبْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَعَلَّ مُحَمَّدًا رَجَعَ، وَعَرَفَ رُجُوعَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْحَنُوطُ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: عَلَى مَسَاجِدِهِ) جَمْعُ مَسْجَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ السُّجُودِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا يُسَرَّحُ إلَخْ) أَيْ، وَلَا يُخْتَنُ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. كُنُوزٌ (قَوْلُهُ: وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قُلْت لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لِحْيَتَهُ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ لِحْيَتَهُ تُسَرَّحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ لَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى لِحْيَتِهِ لِكَوْنِهَا مَخْصُوصَةً بِاسْمٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ إلَخْ) التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِفَافَةٌ) فَالسَّاقِطُ الْقَمِيصُ وَالضَّابِطُ الْقَافُ مَعَ الْقَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا نَمِرَةٌ) النَّمِرَةُ كِسَاءٌ فِيهِ خُطُوطٌ سُودٌ وَبِيضٌ. اهـ. مُغْرِبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute