للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكَلَامُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهِ وَسَبَبِهِ وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَّنَ الثَّلَاثَ، فَقَوْلُهُ: طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرٌ بَيَانٌ لِصِفَتِهِ، وَقَوْلُهُ: لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ بَيَانٌ لِسَبَبِهِ، وَقَوْلُهُ: إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان بَيَانٌ لِوَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَلَامٌ.

أَمَّا صِفَتُهُ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً رَوَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَأَثْبَتُوا فِيهِ الْخِلَافَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرُوا وَجْهَ التَّنْجِيسِ أَنَّهُ مَاءٌ أُزِيلَ بِهِ مَعْنًى مَانِعٌ لِلصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَقَالَ مَشَايِخُ؛ الْعِرَاقِ إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَوَجْهُهُ أَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ، وَلَكِنْ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ أَوْ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ فَتَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَمَالِ الزَّكَاةِ لَمَّا أُقِيمَتْ بِهِ الْقُرْبَةُ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ حَتَّى حَرُمَ عَلَى الْهَاشِمِيِّ وَالْغَنِيِّ، وَأَمَّا سَبَبُهُ فَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ أَوْ إزَالَةُ الْحَدَثِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ لَا غَيْرُ وَعِنْدَ زُفَرَ إزَالَةُ الْحَدَثِ لَا غَيْرُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْحَدَثِ أَوْ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ التَّعْلِيلُ لِمُحَمَّدٍ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدَةٌ لَهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْجُنُبِ يَدْخُلُ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَمَنْ شَرَطَ نِيَّةَ الْقُرْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ حَيْثُ قَالَ الْمَاءُ بِحَالِهِ وَالرَّجُلُ طَاهِرٌ إذْ لَوْ كَانَ إزَالَةُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ تُوجِبُ الِاسْتِعْمَالَ لَتَغَيَّرَ الْمَاءُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِلضَّرُورَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ الَّتِي طَهُرَتْ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ، وَلَكِنْ سَقَطَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا تَقَطَّعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ دَمَهُ نَجِسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا دَمَ فِي السَّمَكِ إنَّمَا هُوَ مَاءٌ آخَرُ، وَالضِّفْدَعُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ سَوَاءٌ، وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ فِيهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَقِيلَ إنْ كَانَ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ سَائِلٌ أَفْسَدَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ دُونَ الْبَرِّيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَلَا يَحْرُمُ وَيُعْجَنُ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّهُ طَاهِرٌ) أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ اهـ.

كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا سَبَبُهُ فَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي لِمُحَمَّدٍ إنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تُزَالُ بِالْقُرْبَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» وَقَالَا إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا غَسَلَ الْأَعْضَاءَ، وَقَدْ حَلَّ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ تَحَوَّلَ ذَلِكَ الْمَانِعُ إلَى الْمَاءِ وَصَارَ نَظِيرَ تَحَوُّلِ الْآثَامِ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ إزَالَةُ الْحَدَثِ) حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ لِلتَّبَرُّدِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمَا وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا لِعَدَمِ فَضْلِ الْقُرْبَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْحَدَثِ عِنْدَهُ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ. كَاكِيٌّ.

قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى إلَّا فِي الْجُنُبِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَإِنْ غَسَلَ رَأْسَ إنْسَانٍ مَقْتُولٍ قَدْ بَانَ مِنْهُ بِالْمَاءِ كَانَ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ إذَا وُجِدَ مَعَ الْبَدَنِ ضُمَّ إلَى الْبَدَنِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فَكَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ غُسَالَتُهُ مُسْتَعْمَلَةً قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْبَدَنِ لَا يَبْقَى طَهُورًا، وَاخْتَلَفُوا فِي طَهَارَتِهِ وَفِي السَّبَبِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَاءُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ، أَمَّا السَّبَبُ اتَّفَقُوا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلطَّهَارَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِسُقُوطِ الْفَرْضِ إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، أَوْ قَصَدَ التَّبَرُّدَ أَوْ إخْرَاجَ الدَّلْوِ مِنْ الْبِئْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ، وَبَعْدَ الزَّوَالِ عَنْ الْعُضْوِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ كَانَ فِي الْهَوَى بَعُدَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ فَأَمْسَكَ إنْسَانٌ يَدَهُ تَحْتَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَهُمَا بِذَلِكَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَكَذَا الْمُحْدِثُ إذَا غَسَلَ عُضْوًا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْمَكَانِ غَسَلَ بِهِ عُضْوًا آخَرَ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان وَيَسْكُنْ عَنْ التَّحْرِيكِ.

وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَنَجَاسَتِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا هُوَ نَجِسٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فَإِنْ أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا إنْ كَانَ ذَلِكَ مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ فَأَصَابَهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ، وَالْفَاحِشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُفْحِشُهُ النَّاظِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ رُبْعَ الثَّوْبِ فَهُوَ كَبِيرٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ شِبْرًا فِي شِبْرٍ فَهُوَ كَبِيرٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَدَّرُ بِالرُّبْعِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ رُبْعَ الْكُمِّ وَرُبْعَ الذَّيْلِ لَا رُبْعَ جَمِيعِ الثَّوْبِ. الْمَرْأَةُ إذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرِ غَيْرِهَا ثُمَّ غَسَلَتْ الشَّعْرَ الَّذِي وَصَلَتْ لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ غَسَلَتْ شَعْرَ الرَّأْسِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اهـ.

ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا يَجِدَ إنَاءً صَغِيرًا وَلَا يُمْكِنُهُ صَبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>