للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي كِتَابِ السِّيَرِ: الدِّينُ يَثْبُتُ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَأَقْوَى التَّبَعِيَّةِ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ لِوُجُودِهِ ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فِي يَدِهِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْيَدِ تُعْتَبَرُ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّقِيطَ الْمَوْجُودَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي اللَّقِيطِ أَيْضًا قِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ، وَقِيلَ الْوَاجِدُ، وَقِيلَ الْأَنْفَعُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ) لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَا هَلَكَ أَبُوهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَمَّك الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ، وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ» الْحَدِيثُ لَكِنْ يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا بُدَاءَةٍ بِالْمَيَامِنِ، وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَتُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ التَّكْفِينِ وَاللَّحْدِ وَيُلْقَى، وَلَا يُوضَعُ. وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ، وَلَهُ أَبٌ كَافِرٌ هَلْ يُمَكَّنُ أَنْ يُجَهِّزَهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يُوجَدْ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ قَالَ تُعَلِّمُ النِّسَاءُ الْكَافِرَ فَيُغَسِّلُهُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) يَعْنِي وَقْتَ الْحَمْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْمِلُهَا رَجُلَانِ يَضَعُ السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صَدْرِهِ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حُمِلَتْ كَذَلِكَ، وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا تَبِعَ أَحَدُكُمْ الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِقَوَائِمِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ لْيَتَطَوَّعْ بَعْدُ أَوْ فَلْيَذْرِ أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْحَامِلِينَ وَصِيَانَةً عَنْ السُّقُوطِ وَالِانْقِلَابِ، وَزِيَادَةَ الْإِكْرَامِ لِلْمَيِّتِ، وَالْإِسْرَاعَ بِهِ، وَتَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِحَمْلِ الْمَتَاعِ وَلِهَذَا يُكْرَهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ، وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ) أَيْ يُسْرَعُ بِالْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَشْيِ بِلَا خَبَبٍ وَحَدُّهُ أَنْ يُسْرِعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ»، وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِنَازَةٌ تَمْخَضُ مَخْضَ الزِّقِّ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ»، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سَأَلْنَا نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ فَقَالَ مَا دُونَ الْخَبَبِ»، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرَعَ بِتَجْهِيزِهِ كُلِّهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِهَا) أَيْ بِلَا جُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِ الْجِنَازَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ قَبْلَ وَضْعِهَا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ»؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ، وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ حَضَرُوا إكْرَامًا، وَفِي الْجُلُوسِ قَبْلَ الْوَضْعِ ازْدِرَاءٌ بِهِ هَذَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يَمْشِي مَعَ الْجِنَازَةِ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا مَرَّتْ بِهِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْقَبْرِ فَلَا يَقُومُ لَهَا، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ لَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ»، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» فَصَارَ مَا رَوَوْهُ مَنْسُوخًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَشْيٍ قُدَّامَهَا) أَيْ بِلَا مَشْيٍ قُدَّامَ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَشْيُ قُدَّامَهَا أَفْضَلُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»؛ وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ فِي الْعَادَةِ، وَلَنَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ، وَعَدَّ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ»، وَعَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَمَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ» الْحَدِيثَ. وَالِاتِّبَاعُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى التَّالِي، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمْشِي خَلْفَهَا، وَقَالَ إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا سَهْلَانِ يُسَهِّلَانِ عَلَى النَّاسِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَشَى خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَسَأَلَهُ نَافِعٌ كَيْفَ الْمَشْيُ فِي الْجِنَازَةِ خَلْفَهَا أَمْ أَمَامَهَا؟. فَقَالَ أَمَا تَرَانِي أَمْشِي خَلْفَهَا، وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» وَبِهَذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْعَهْدِ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ، وَإِلَّا فَفِي النَّارِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَهَذَا نَفْيٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ إلَخْ)، وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْيَدِ يَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ. اهـ كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ إلَخْ) أَطْلَقَ الْوَلِيَّ يَعْنِي الْقَرِيبَ فَيَشْمَلُ ذَوِي الْأَرْحَامَ كَالْأُخْتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ فَإِنْ كَانَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - بِارْتِدَادِهِ فَإِنْ كَانَ يُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ وَيُلْقَى فِيهَا كَالْكَلْبِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ إلَخْ)، وَفِي الذَّهَابِ بِالْجِنَازَةِ يُقَدَّمُ الرَّأْسُ فَإِذَا انْتَهَوْا لِلْمُصَلَّى فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَرْضًا رَأْسُهُ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَرِجْلَاهُ عَلَى يَسَارِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ) أَيْ، وَلَوْ مَشَوْا بِهِ الْخَبَبَ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْمَيِّتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمَشَى قُدَّامَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَفْضَلُ لِلْمُشَيِّعِ لِلْجِنَازَةِ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَيَجُوزُ أَمَامُهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ الْكُلُّ فَيُكْرَهُ، وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا وَلَا عَنْ شِمَالِهَا وَيُكْرَهُ لِمُشَيِّعِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>