السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَالِ الضِّمَارِ كَالْآبِقِ وَالْمَفْقُودِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمَالِ السَّاقِطِ فِي الْبَحْرِ وَالْمَدْفُونِ فِي الْمَفَازَةِ إذَا نَسِيَ مَكَانَهُ وَاَلَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً الْوَدِيعَةِ إذَا نَسِيَ الْمُودَعَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَعَارِفِهِ وَالدَّيْنِ الْمَجْحُودِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ صَارَتْ لَهُ بَعْدَ سِنِينَ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ مِنْ مَعَارِفِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَاضِي إذَا تَذَكَّرَ، وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ نَامٍ، وَفَوَاتُ الْيَدِ لَا يُخِلُّ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ» مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعِيرٌ ضَامِرٌ إذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِهُزَالِهِ أَوْ مِنْ الْإِضْمَارِ، وَهُوَ الْإِخْفَاءُ وَالتَّغَيُّبُ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي، وَلَا نَمَاءَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ وَابْنُ السَّبِيلِ قَادِرٌ بِنَائِبِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الدَّيْنِ الْمَجْحُودِ تَجِبُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ لَا تُقْبَلُ وَكُلَّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا تَجِبُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانَ مُفْلِسًا بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ بِالتَّفْلِيسِ عِنْدَهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِيهِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ النَّمَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَالتَّقْدِيرِيَّ وَيَنْقَسِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى قِسْمَيْنِ إلَى خِلْقِيٍّ، وَفِعْلِيٍّ فَالْخِلْقِيُّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ وَالْفِعْلِيُّ مَا يَكُونُ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ صَارَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَالدَّيْنُ الْمَجْحُودُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَكُونُ نِصَابًا مَا لَمْ يُحَلِّفْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِالدَّيْنِ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا فَلَمَّا قَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي جَحَدَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَمَضَى زَمَانٌ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ مِنْ يَوْمِ جَحَدَ إلَى أَنْ عُدِّلُوا؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَاحِدًا وَيَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِطْلَاقِ فِي الْمَجْحُودِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ أَوْ كَانَ شُهُودُهُ غَائِبِينَ فَحَضَرُوا بَعْدَ سِنِينَ أَوْ تَذَكَّرُوا بَعْدَمَا نَسُوا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ) أَيْ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَفَازَةِ قَدْ تَقَدَّمَ. اهـ. وَالْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ نِصَابٌ لِتَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ: نِصَابٌ أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. غَايَةٌ وَمِنْ جُمْلَةِ الضِّمَارِ الْمَالُ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ، وَلَوْ ظَنَّ مَالَهُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ يَجِبُ. اهـ. غَايَةٌ
(فَرْعٌ) فِي الْمُحِيطِ، وَعِدَّةِ الْمُفْتِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ، وَقَبَضَتْهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةً فَرَدَّ الْمَوْلَى نِكَاحَهَا فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَلْفِ عَلَى الزَّوْجِ لِعَدَمِ يَدِهِ، وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهَا كَرَجُلٍ حَلَقَ لِحْيَةَ إنْسَانٍ، وَأَخَذَ دِيَتَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ ثُمَّ نَبَتَتْ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ، وَلَا عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ أَلْفًا وَحَالَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَسَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَكِنْ اسْتِحْقَاقُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ كَالدَّيْنِ اللَّاحِقِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَمَا يَتَعَيَّنُ يُسْقِطُهَا فَالْهِبَةُ لَيْسَتْ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ قَالَ فِي الْجَامِعِ وَالْمُحِيطِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ، وَقَبَضَتْهُ وَحَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا زَكَّتْ الْأَلْفَ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَهُ لَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ بَلْ الْوَاجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لَحِقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِخِلَافِ الْقَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ الضِّمَارِ) فِعَالٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مُفْعِلٍ، وَفِي الصِّحَاحِ الضِّمَارُ مَا لَا يُرْجَى مِنْ الدَّيْنِ وَالْوَعْدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إلَخْ) إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَقْلِ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِ أَنَّ الثَّانِيَ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَالِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا إذَا فَدَى بِالدِّيَةِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَوْلَى مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ لَا يَكُونُ مَالَ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْقِصَاصِ لَا عِوَضُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ) كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُفَسَّقُ إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَلَوْ كَانَ يُقِرُّ سِرًّا وَيَجْحَدُ عَلَانِيَةً لَا زَكَاةَ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَكُلَّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ) فَفِي الْمُجَاثَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْخُصُومَةِ ذُلٌّ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ فَهُوَ نِصَابٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُمْ فِي النَّقْدَيْنِ خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتَّوَسُّلِ بِهِمَا إلَى تَحْصِيلِ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ مَاسَّةٌ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ، وَهَذِهِ غَيْرُ نَفْسِ النَّقْدَيْنِ، وَفِي أَحَدِهِمَا عَلَى التَّغَالُبِ مَا لَا يَخْفَى فَخُلِقَ النَّقْدَانِ لِغَرَضِ أَنْ يُسْتَبْدَلَ بِهِمَا مَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ خَلْقِ الرَّغْبَةِ فِيهِمَا فَكَانَا لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَمَلُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ مَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا عُمُومُ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَإِلَّا لَاجْتَمَعَ فِيهَا الْحَقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَرْضُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ) وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ آجَرَ دَارِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute