مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا صَدَقَةٌ وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ»
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» وَلِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ وَلَيْسَ بِنَامٍ اهـ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي يَدِهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مُسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لَا قَالَ أَيَسُرُّك أَنْ يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ فَخَلَعَتْهُمَا وَأَلْقَتْهُمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ». قَالَ النَّوَوِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ فَقُلْت صَنَعْتهنَّ أَتَزَيَّنُ لَك بِهِنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْت لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ حَسْبُك مِنْ النَّارِ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ «كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّي زَكَاتَهُ فَزَكِّي فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤] الْآيَةَ يَتَنَاوَلُ الْحُلِيَّ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالرَّأْيِ وَكَذَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ تَتَنَاوَلُهُمَا وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ وَلَيْسَ بِنَامٍ لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا حَقِيقَةُ النَّمَاءِ وَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهُمَا بِالِاسْتِعْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُعَدَّيْنِ لِلنَّفَقَةِ أَوْ كَانَا حُلِيَّ الرَّجُلِ أَوْ حُلِيَّ الْمَرْأَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَا كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ لَمَا وَجَبَتْ وَلِأَنَّهُمَا خُلِقَا أَثْمَانًا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ وَلَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ بِالِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ مِنْ اللَّآلِئِ وَالْيَاقُوتِ وَالْفُصُوصِ كُلِّهَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لِلِابْتِذَالِ فَلَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ فِي كُلِّ خُمُسٍ بِحِسَابِهِ) أَيْ فِي كُلِّ خُمُسٍ نِصَابٌ تَجِبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْ الْوَرِقِ فَيَجِبُ فِيهِ دِرْهَمٌ وَمِنْ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَيَجِبُ فِيهَا قِيرَاطَانِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَا مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ وَكَانَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي الرَّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَاشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لِتَحَقُّقِ الْغِنَى وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَلْزَمُ التَّشْقِيصُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ «إذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةٌ وَلَا تَأْخُذْ مِمَّا زَادَ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» وَلِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ إلَّا الْأَوَّلَ قَالَ وَهَمْزَتُهَا زَائِدَةٌ وَيُشَدَّدُ الْجَمْعُ وَيُخَفَّفُ مِثْلُ أَثَفْيَةً وَأَثَافِيُّ وَأَثَافٍ وَرُبَّمَا يَجِيءُ فِي الْحَدِيثِ وَقِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَلَهُ تَخْفِيفَانِ فَتْحُ الْوَاوِ وَكَسْرُهَا مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ قِيَاسٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِضَّةِ وَقِيلَ لِلدَّرَاهِمِ خَاصَّةً اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِضَّةِ أَيْ مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ») ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسْكَتَانِ) أَيْ سِوَارَانِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ تِبْرًا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ التِّبْرُ مَا كَانَ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ حُلِيًّا) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا أَوْ لَا حَتَّى يَجِبَ أَنْ يَضُمَّ الْخَاتَمَ مِنْ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَكُلُّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٌ) وَالْفَتَخَاتُ الْخَوَاتِمُ الْكِبَارُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ) وَفِي الصِّحَاحِ حُلِيٌّ مِنْ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد) أَيْ بِاللَّفْظِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فَبِلَفْظٍ آخَرَ قَالَ الْكَمَالُ وَلَفْظُهُ «إذَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ». اهـ. (قَوْلُهُ تَتَنَاوَلُهُمَا) أَيْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْهُمَا بِمَا لَمْ يَثْبُتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إلَخْ) إنَّمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ) أَيْ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ خُمُسٍ بِحِسَابِهِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَضَى عَلَيْهَا عَامَانِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ عَشْرَةٌ وَعِنْدَهُمَا خَمْسَةٌ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَثُمُنٌ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِائَتَانِ إلَّا ثُمُنُ دِرْهَمٍ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعِنْدَهُ لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةٌ أُخْرَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أَيْ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَوَاهُ عَنْهُمَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ التَّشْقِيصُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ إلَّا أَنَّا فِي السَّوَائِمِ اعْتَبَرْنَا النِّصَابَ بَعْدَ النِّصَابِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ التَّشْقِيصِ لِمَا يَدْخُلُ مِنْ إيجَابِهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ عَلَى الْمَالِكِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ) بَيَانُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي حَبَّةٍ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ حَبَّةٍ وَهَذَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْبَقَرِ عِنْدَهُ لِسُهُولَةِ حِسَابِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِمَا خَمْسَةٌ وَسَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى جَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute