عَلَيْهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الدِّيَاتِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ دِرْهَمِ الزَّكَاةِ فَالنِّصَابُ مِنْهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَحَبَّتَانِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَالِبُ الْوَرِقِ وَرِقٌ لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْوَرِقِ الْفِضَّةَ فَهُوَ فِضَّةٌ وَلَا يَكُونُ عَكْسُهُ فِضَّةً وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْغِشَّ وَإِنَّمَا هُوَ عُرُوضٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ وَتَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ فَجَعَلْنَا الْغَلَبَةَ فَاصِلَةً وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْفِضَّةَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْغِشَّ يُنْظَرُ فَإِنْ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِلتِّجَارَةِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ فِضَّتُهُ تَتَخَلَّصُ تُعْتَبَرُ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا وَحْدَهَا أَوْ بِالضَّمِّ إلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ عَيْنَ الْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَلَا الْقِيمَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ لَمْ تَتَخَلَّصْ مِنْهُ فِضَّتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفِضَّةَ قَدْ هَلَكَتْ فِيهِ إذْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا لَا حَالًا وَلَا مَآلًا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْغِشِّ وَهُوَ عُرُوضٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَصَارَتْ كَالثِّيَابِ الْمُمَوَّهَةِ بِمَاءِ الذَّهَبِ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِضَّةِ الْمَغْلُوبَةِ وَبَيْنَ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ حَتَّى اعْتَبَرْتُمْ الْفِضَّةَ الْمَغْلُوبَةَ وَأَجْرَيْتُمْ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْفِضَّةِ إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ مِنْهُ وَلَمْ تَعْتَبِرُوا الْغِشَّ الْمَغْلُوبَ بَلْ جَعَلْتُمْ كُلَّهُ فِضَّةً قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِضَّةَ قَائِمَةٌ فِي كَثِيرِ الْغِشِّ حَقِيقَةً حَالًا بِاللَّوْنِ وَمَآلًا بِالْإِذَابَةِ بِخِلَافِ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَالًا وَلَا يَخْلُصُ مَآلًا بَلْ يَحْتَرِقُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الذَّهَبُ الْمَغْشُوشُ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ حُكْمَهُ يُعْرَفُ بِبَيَانِ حُكْمِ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ سَوَاءً ذَكَرَ أَبُو النَّصْرِ أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ احْتِيَاطًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَقِيلَ يَجِبُ فِيهَا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الْغِطْرِيفِيَّةِ وَالْعَادِلِيَّةِ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عَدَدًا لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهِمَا غَالِبٌ فَصَارَا فُلُوسًا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِيهِ لَا الْوَزْنِ وَالذَّهَبُ الْمَخْلُوطُ بِالْفِضَّةِ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابَ الذَّهَبِ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ الذَّهَبِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَ الْفِضَّةِ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ الْفِضَّةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَغْلُوبَةً فَهُوَ كُلُّهُ ذَهَبٌ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى قِيمَةً
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ بَلَغَتْ نِصَابَ وَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ) يَعْنِي فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ يَجِبُ رُبُعُ الْعُشْرِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ نِصَابًا وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْأَنْفَعُ أَيُّهُمَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْمَسَاكِينِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا رُبُعُ الْعُشْرِ وَاعْتِبَارُ الْأَنْفَعِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَاهُ يَقُومُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا إنْ كَانَ يَبْلُغُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يَبْلُغَ بِالْآخَرِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فِي مُعَامَلَتِهِمْ فَشَاوَرَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ خُذُوا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَأَخَذُوا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ثُلُثَهُ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَجَعَلَهُ دِرْهَمًا فَجَاءَتْ الْعَشَرَةُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا وَذَلِكَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ اهـ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ) أَيْ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ لِلشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مِنْ دَرَاهِمَ مَصْرِفِيَّةٍ نَظَرٌ عَلَى مَا اعْتَبَرُوهُ فِي دِرْهَمِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ الشَّعِيرَ فَدِرْهَمُ الزَّكَاةِ سَبْعُونَ شَعِيرَةً إذْ كَانَ الْعَشَرَةُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ الْمِثْقَالُ مِائَةُ شَعِيرَةٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَهُوَ إذَنْ أَصْغَرُ لَا أَكْبَرُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ أَنَّهُ شَعِيرَتَانِ كَمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهَا فِي تَعْرِيفِ السَّجَاوَنْدِيِّ الطَّوِيلُ فَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ إذْ الْوَاقِعُ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ شَعِيرَةً لِأَنَّ كُلَّ رُبُعٍ مِنْهُ مُقَدَّرٌ بِأَرْبَعِ خَرَانِيبَ وَالْخُرْنُوبَةُ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِ قَمْحَاتٍ وَسَطٍ. اهـ.
(قَوْله لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو إلَخْ) لِأَجْلِ الِانْطِبَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْغِشُّ إلَخْ) لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهَا مَغْمُورٌ وَيُسْتَهْلَكُ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْجِيَادِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ قَالَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا كُلُّهَا الْفِضَّةُ وَمَا يَغْلِبُ فِضَّتُهُ عَلَى غِشِّهِ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الدَّرَاهِمِ مُطْلَقًا وَالشَّرْعُ أَوْجَبَ بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشُّ وَالْفِضَّةُ فِيهَا مَغْلُوبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً أَوْ يُمْسِكُهَا لِلتِّجَارَةِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهِيَ الَّتِي الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا اهـ بَدَائِعُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَائِجَةً وَلَا مُعَدَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِأَنْ كَانَتْ كَثِيرَةً. اهـ. (قَوْلُهُ لَا حَالًا) أَيْ بِاللَّوْنِ (قَوْلُهُ وَلَا مَآلًا) أَيْ بِالْإِذَابَةِ اهـ (قَوْلُهُ ذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ) أَيْ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا هُوَ الْأَقْطَعُ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ فِيهَا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْيَنَابِيعِ حَكَى لِي هَذَا مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ تَجِبُ فِي الْكُلِّ الزَّكَاةُ فَفِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَأَنَّهَا كُلُّهَا فِضَّةٌ أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ بِالِاحْتِيَاطِ وَقَوْلُ النَّفْي مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ لِذَلِكَ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَخْلُصَ وَعِنْدَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فَيَخُصُّهُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا قَوْلَانِ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ فَحِكَايَةُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لَيْسَ بِوَاقِعٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ إلَخْ) الْعَرُوضُ جَمْعُ عَرَضٍ بِفَتْحَتَيْنِ حُطَامُ الدُّنْيَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالصِّحَاحِ وَفِي الصِّحَاحِ وَالْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ الْمَتَاعُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضُ سِوَى الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَرُوضُ الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا فَعَلَى هَذَا جَعَلَهَا هُنَا جَمْعَ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ النَّقْدِ وَالْحَيَوَانَاتِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ غَيْرُ النَّقْدِ وَالْحَيَوَانَاتِ مَمْنُوعٌ بَلْ فِي بَيَانِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السَّائِمَةَ الْمَنُوبَةَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ كَالْإِبِلِ أَوْ لَا كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَالصَّوَابُ اعْتِبَارُهَا هُنَا جَمْعُ عَرْضِ بِالسُّكُونِ عَلَى تَفْسِيرِ الصِّحَاحِ فَيَخْرُجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute