إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ وَلِأَنَّهُ صَدَقَةٌ حَتَّى يَصْرِفَ مَصَارِفَهَا وَلَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى كَالزَّكَاةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧] وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثْرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ غَيْرُ مُسْلِمٍ كُلُّ ذَلِكَ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ مُؤْنَةً لَهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَالْخَرَاجِ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ فِيهِ يُنْبِئُ عَنْهَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَالِكُ فِيهِ حَتَّى تَجِبَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَالْمُكَاتَبِ فَكَيْفَ تُعْتَبَرُ صِفَتُهُ وَهُوَ الْغِنَى وَلَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ غَيْرُ مَنْفِيَّةٍ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَقَدْ يُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى فَيَجِبُ الْعُشْرُ كَالْخَرَاجِ وَمَا رَوَيَاهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِأَنَّ أَبَا عِيسَى قَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهَذَا بِخِلَافِهِ ظَاهِرًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَأْخُذُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِ الْعَيْنِ فِي الْبَرَارِيِّ حَيْثُ لَا يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِيهِ. أَمَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ لَا يُقْصَدُ بِهَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ غَالِبًا بَلْ تُنْفَى عَنْهَا حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّ بِهَا أَرْضَهُ وَجَبَ فِيهَا الْعُشْرُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَذَلِكَ مِثْلُ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ وَكُلُّ حُبٍّ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ لِكَوْنِهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا وَكَذَا لَا عُشْرَ فِيمَا هُوَ تَابِعٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَالْوَسْقُ إلَى آخِرِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَالنَّوَوِيُّ وَسُكُونِ السِّينِ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ إذَا بَلَغَ نِصَابًا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمِلْكُ دُونَ الْمَالِكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ حَتَّى يَبْلُغَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) وَكُلُّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا مَنٍّ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ الْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَكَوْنُ الْوَسْقِ سِتِّينَ صَاعًا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ لِحَدِيثِ الْأَوْسَاقِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ عَثْرِيًّا) الْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَيُرْوَى سُكُونُهَا هُوَ مَا تَسْقِيهِ السَّمَاءُ وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْعَذْيَ وَأَنْكَرَ الْقَلَعِيُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ الْعَثَرِيُّ الشَّجَرُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ الْمُجْتَمِعِ فِي مَوْضِعٍ فَيَجْرِي إلَيْهِ كَالسَّاقِيَةِ وَقَالَ إنَّمَا هُوَ مَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْقَلَعِيُّ بَلْ قَوْلٌ قَلِيلٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ الْعَثَرِيُّ مِنْ النَّخْلِ مَا سُقِيَ سَيْحًا وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ الْعَثَرِيَّ مَخْصُوصٌ بِمَا سُقِيَ مِنْ مَاءِ السَّيْلِ. اهـ. غَايَةٌ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهَا) أَيْ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِيمَا أَخْرَجَتْ اسْمُ الْعُشْرِ لَا الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ) أَيْ كَالرَّيَاحِينِ وَالْأَوْرَادِ وَالْبُقُولِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ) أَيْ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا فِي حَقِّ الْعُشْرِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ السَّبَبِ فَإِذَا أَخْرَجَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَوْ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا لَكَانَ إخْلَاءً لِلسَّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ وَحَقِيقَةُ الِاسْتِدْلَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَامِّ السَّابِقِ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ الْجَعْلِ وَالْمُفِيدُ لِسَبَبِيَّتِهَا كَذَلِكَ هُوَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ أَفَادَ أَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِإِخْرَاجِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا لَا مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ هَذَا مُسْتَقِلًّا بَلْ هُوَ فَرْعُ الْعَامِّ الْمُفِيدِ سَبَبِيَّتُهَا مُطْلَقًا وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَنْعِ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ أَجَازَهُ بَعْدَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرِ هَكَذَا حُكِيَ مَذْهَبُهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَنْظُومَةِ خَصَّ خِلَافَهُ بِثَمَرِ الْأَشْجَارِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ السَّبَبِ نَظَرًا إلَى أَنَّ نُمُوَّ الْأَشْجَارِ يُثْبِتُ نَمَاءَ الْأَرْضِ تَحْقِيقًا فَيَثْبُتُ السَّبَبُ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَمَاءُ الْأَرْضِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ مِثْلُ السَّعَفِ إلَى آخِرِهِ) السَّعَفُ وَرَقُ جَرِيدِ النَّخْلِ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهُ الزِّنْبِيلُ وَالْمَرَاوِحُ وَعَنْ اللَّيْثِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ لَهُ السَّعَفُ إذْ يَبِسَ وَإِذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَهِيَ الشَّطْبَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالتِّبْنُ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي التِّبْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِزِرَاعَةِ الْحَبِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ فَصَلَهُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ كَانَ الْعُشْرُ فِيهِ قَبْلَ الِانْعِقَادِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْحَبِّ عِنْدَ الِانْعِقَادِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي التِّبْنِ إذَا يَبِسَ فِيهِ الْعُشْرُ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا يَسْتَنْبِتُ فِي الْأَرْضِ وَيُقْصَدُ بِالِاسْتِغْلَالِ كَقَوَائِمِ الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ فَإِنَّ صَاحِبَ التُّحْفَةِ قَالَ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعٍ اهـ (فَرْعٌ) اُخْتُلِفَ فِي الْمَنِّ إذَا سَقَطَ عَلَى الشَّوْكِ الْأَخْضَرِ فِي أَرْضِهِ قِيلَ لَا يَجِبُ فِيهِ عُشْرٌ وَقِيلَ يَجِبُ وَلَوْ سَقَطَ عَلَى الْأَشْجَارِ لَا يَجِبُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute